حجم النص
بقلم:مهدي الدهش صدر للكاتب والصحفي تيسير سعيد الأسدي، كتاب يحمل عنوان (مقالات في زمن الكوليرا) عن قسم الدراسات والبحوث في جمعية الهداية الثقافية، ذلك في العام 2011م. وهو عبارة عن مجموعة من المقالات التي دوّنها الكاتب في المرحلة الواقعة ما بين العامين (2003 ــ 2007)م، وهي مقالات ذات طابع سياسي ــ تاريخي ــ مُستقبلي. حيث ينفذ الكاتب إلى تحليل مجمل الأحداث الرئيسة التي مرّت على العراق عقب الاحتلال الاميركي. حيث ابتدأ بقراءة التمهيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمنطقة الشرق الأوسط، وينتقل بعد ذلك لتوضيح وقائع ومُجريات الاحتلال وما نتج عنهُ من صعود حاد (للكوليرا) في مُختلف جوانب ] الدولة العراقية الجديدة [! التي مَثّل تأسيسها وبنائها مَشروعاً أمريكياً بامتياز. ومن ثم ينتقل الأستاذ الأسدي لتوضيح نقاط الاستشراف المستقبلي للواقع العراقي في المديات المنظورة، آخذاً بنظر الاعتبار وقائع قد جرت وإشارات حصلت قام بتوثيقها ضمن هذهِ المجموعة من المقالات التي بلغ عددها (28) مقالاً، تستند جميعها لقرارات ومواقف سجلتها كابينة القطار السياسي العراقي القادم مع الاحتلال بعد العام 2003م. واعود لتوضيح المغزى الذي هدف إليه الكاتب من توظيفه لاسم مرض خطير لطالما قد فتك بالعراقيين في سالف الأزمان، حينما كان الجرثوم المرضي، يُسقط العشرات بل المئات من سكان هذا البلد في الريف والمدينة قتلى لهذا المرض الفتاك في حينه. حيث يتألّف هذا المرض تحديداً من أعراض رئيسة واضحة المعالم هي (الاسهال الشديد والجفاف الحاد) المُصاحبان له. ومن هنا دخل الكاتب في استعارة رمزية فذّه، حين شبّه أعراض المرض السريري، بأعراض الواقع السياسي الجاري في العراق، من خلال وصف حال هذا الواقع ببروز عرضين خطيرين هما (الاسهال الطائفي والجفاف الوطني) بين قطاعات المجتمع العراقي المختلفة وتياراته السياسية المتعددة. فكان ذلك منه، تشخيصاً دقيقاً لِما يجري ونتيجة لمقدمات تمهيدية تفاعلت في المُحيط العراقي وقادت لانتشار هذا الوباء من جديد، ولكن بصورته السياسية والاجتماعية والفكرية وليس المرضية السريرية. لقد سعى الكاتب الأسدي، إلى تعريف القارئ والمُتتبّع لمجريات الأحداث في العراق والمنطقة الاقليمية ككل، بالجنوح السياسي الشاذ الذي ساد، نتيجة لطبيعة المواقف الخارجية لدول تنتفع بشكل كبير من حالة التشتيت والفرقة والضَعف العام للنسيج الاجتماعي والفكري العراقي. وبيّن الكاتب كيف تم استغلال ذلك وما هي الأدوات التي تم استخدامها والاتكاء عليها لتحقيق هذا الأمر تحديداً. مُبينّاً ـ الكاتب ـ دور الساسة العراقيين من العرب والكُرد في تفضيل مصالح المُنتفعين مما يجري على المدى البَعيد، حتى على مصالحهم الضيّقة، ناهيك عَن مصلحة العراق كدولة ذات ثُقل لا يُستهان بهِ في المنطقة العربية والإقليمية!!، ففضح ـ الكاتب ـ الساسة الكُرد ودورهم في تحقيق هدفهم الشاذ وهو تشظية العراق إلى دويلات، تَخدُم المَشروع الاسرائيلي في منطقة الهلال الخصيب. وكذلك أوضح ـ الكاتب ـ دور القادة العرب السُنة وسلبيتهم في التعامل مع القضية الوطنية، من خلال الاندفاع وراء المال القطري والفتوى السعودية، على حساب أبناء جلدتهم وشركائهم في الوطن. وبين ـ الأسدي ـ كذلك الضعف العام الذي امتاز بهِ السياسيين العرب الشيعة والتباطؤ في اتخاذ القرارات والإجراءات الحاسمة تجاه القضايا الحساسة في الدولة العراقية، وسلبية مجموع مواقفهم المُنحازة تجاه بعض دول المنطقة ومنها إيران بشكل خاص، وكذلك حالات الفساد المالي والاداري التي اتُهم فيها أكثر من طرف من أطرافهم العديدة، وهي تُمثّل أيضا شكلاً من أشكال الانسلاخ عن المشروع الوطني العراقي الناضج. هنا أود الإشارة إلى أن هذهِ المقالات، والتي كما قلت بأنها قد كُتبت قبل العام 2008م، كانت تحمل في طياتها رويةً لمُستقبل العراق والمنطقة، واليوم ونحن على مَشارف العام 2015م، أرى حالة من الترجمة العملية للآراء والتكهنات التي طرحها ـ الكاتب الأسدي ـ في السنوات الأولى للاحتلال الأمريكي للعراق. والذي قد يَعود مُجدداً ـ هذا الاحتلال ـ ولكن بصورة ولباس جديد، ولهدف أو مجموعة أهداف يُعاد إحيائها عل يد وسيلة العصر] داعش [ الفزاعة المُستحدثة والذريعة الأمريكية السمجة. وبطبيعة الحال لا يفوتني تقديم شكري الوافر للكاتب الأسدي، على هذهِ السياحة السياسية في واقع العراق والمنطقة العربية، في مرحلة تُعد من أخطر وأحلك المراحل من تاريخ العراق المعاصر والشرق الأوسط ككل. وأتمنى أن يُعاد إنتاج هذهِ المجموعة من مقالات الكاتب وبصورة مُغايرة ومُستحدثة، وذلك مِن خلال سلسلة حوارات ضمن برنامج في إحدى القنوات الفضائية، حيث تتناول كل حلقة من حلقاتهِ، مقالاً من مقالات الكاتب، ويُعاد قراءتها على وفق المُستجدّات التي طرأت على الساحة العراقية، مع الإشارة لتوقعات الكاتب الأسدي المُستقبلية ومقدار التوافق بينها وبين ما يقع أو سيقع على المدى القريب والمَنظور في العراق ومحيطهِ الإقليمي.
أقرأ ايضاً
- مسؤولية الأديب في زمن الاحتضار.
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- الأهمية العسكرية للبحر الاحمر.. قراءة في البعد الجيوستراتيجي