- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الدبلوماسية اولا، والعنف لا ينتج نجاحا
حجم النص
بقلم:نزار حيدر في اطار قصة صحفية عن اليوم العالمي لمكافحة الحروب والاحتلال، وجه الزميل مصطفى سعدون مراسل وكالة انباء بغداد الدولية، السؤال التالي الى نـــــــزار حيدر، فاجاب عليه بما يلي: السؤال: لقد حطم العراق الرقم القياسي في خوض الحروب، حيث خاض خلال ثلاثين عاماً ثلاثة حروب، كان لها الاثر السلبي على المجتمع العراقي. كيف تقرأ بلد، او قادة، تخوض ثلاثة حروب في هذه الفترة الزمنية القصيرة؟. وماذا وراء خوضها؟ وهل تم التعامل معها مجتمعياً ومؤسساتياً بالطريقة الصحيحة؟. الجواب: لقد اعتمد نظام الطاغية الذليل صدام حسين سياسة صناعة الأزمات منذ ان اعتلى السلطة في بغداد في ١٧ تموز عام ١٩٦٨، وذلك بسبب شعوره الدائم بعدم شرعية سلطته السياسية، من جانب، وكونه مسكون بنظرية التآمر والتربص والانقلابات العسكرية من جانب آخر، ما يجعله يخشى اقرب المقربين اليه، فنراه لا يثق بأحد مهما قرب منه رحما او زمالة، فكان يبادر الى تصفية القيادات السياسية والعسكرية والأمنية جيلا بعد جيل خوفا من ان تترسخ علاقاتهم وتتكرس مواقعهم ما يشكل خطرا عليه، فيتآمروا عليه مثلا او يقودوا انقلابا عليه او ما اشبه. وتأتي سياسة شن الحروب العبثية سواء الداخلية منها، كحروبه في شمال العراق مع الشعب الكردي، او الخارجية مع الجارتين ايران والكويت، او مع المجتمع الدولي، تأتي هذه السياسة في الإطار العام لسياسة صناعة الأزمات، وهي سياسة (عربية) قديمة كان يلجأ اليها الزعماء والقادة كلما سعوا الى الهاء الناس عن الاصلاح السياسي وابعاد شبح التغيير، فهذا عبد الله بن عامر ينصح الخليفة الثالث عثمان بن عفان عندما سال اصحابه المشورة اثر تدهور الاوضاع السياسية والامنية في البلاد قائلا لهم: إن لكل امرئ وزراء ونصحاء وإنكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إليّ أن أعزل عمالي، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون، فاجتهدوا رأيكم، وأشيروا عليّ، فقال له عبد الله بن عامر: رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك، فلا يكون همّة أحدهم إلا نفسه، وما هو فيه من دبرة دابته، وقمل فروه، فالحروب والغزوات كانت برايي المستشارين للهرب من الواقع ولابعاد شبح الثورات الداخلية المطالبة بالاستقامة والعدالة والمساواة. ولقد أنتجت حروب النظام البائد العبثية المتتالية في نهاية المطاف، احتلال العراق وفقدان سيادته وخسارته لأكثر من (١٠./.) من أراضيه، فضلا عن ان العراق خسر الكثير جدا وعلى مختلف الأصعدة، بالاضافة الى الاثار الجانبية السلبية الاجتماعية منها والأخلاقية والاقتصادية وغيرها. ان سياسة الحروب العبثية التي انتهجها النظام البائد كانت دليلا واضحا على فشله في ادارة البلاد، لان النظام السياسي السليم هو النظام القادر على تجنيب بلاده الحرب، أية حرب، لازال هناك متسع من الدبلوماسية لحل مشاكله الداخلية ومع دول الجوار والمجتمع الدولي، فتكون الحرب آخر الدواء، بعد ان يستنفذ النظام السياسي كل مساعيه الدبلوماسية، على اعتبار ان الحرب لا تأتي بنتائج إيجابية أبدا، الا اللمم، اما النظام البائد فقد كانت الحرب على راس أولوياته، فإذا فشل في شنها اتجه الى الدبلوماسية، والتي كان يوظفها، هي الاخرى، للتآمر وتنفيذ عمليات الاغتيال والقتل وغير ذلك، كما فعل مع الملا مصطفى البارزاني زعيم الحركة التحررية الكردية، والذي حاول الطاغية اغتياله بالوفد المفاوض، الذي لم يكن يعرف بانه ملغوم بالمتفجرات عندما ارسله النظام الى الشمال ليوافض القيادة الكردية. وبرأيي، فان ما نراه اليوم من بعض السياسيين الذين تسلموا السلطة بعد سقوط النظام في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ ولحد الان، نزوعهم الى صناعة الأزمات إنما سببها حالة الإسقاط التي ابتلوا بها من النظام البائد، وللأسف الشديد فان بعضهم لا يرى نفسه الا في الأزمة، فلا تسمع له صوتا في مرحلة الهدوء السياسي او في أوقات التهدئة السياسية من قادة الكتل السياسية والبرلمانية، الا انه يصك آذاننا بالسباب والطعن بولاءات الآخرين وتوزيع التهم حال ان يقرر زعيم الكتلة او ولي نعمته وسيده صناعة أزمة من نوع ما، وهذا دليل صارخ على فشل هذا النوع من السياسيين والقادة، ما قاد البلاد الى الدمار والشلل بسبب تتالي الأزمات، فالسياسي الذي لا يجد نفسه الا في وسط الازمة، لهو يقود البلاد الى كارثة. انهم مسكونون بالأزمة، فلا يخرجون من واحدة الا وقد صنعوا اختها، وهكذا، فلا انتاج ولا خطط ولا مشاريع ولا إنجازات ولا نجاحات ولا هم يحزنون، فهمهم الهاء المجتمع واشغاله بالتخندق الطائفي تحديدا. هؤلاء يغطون على فشلهم بصناعة الأزمات، ويشغلون المجتمع بها عن المساءلة والمحاسبة على فشلهم وتقصيرهم، فلو ان المجتمع استقر بنسبة معقولة لأسقط أمثال هؤلاء عن عروشهم. انهم يوظفون ملفات الارهاب وفضائح الفساد المالي والإداري لابتزاز الفرقاء كلما اضطرتهم الظروف الى ذلك، فيفلتوا بها من المساءلة والمحاسبة كلما وصلوا الى عنق الزجاجة، وهذا ما يفعله منذ مدة السيد رئيس مجلس الوزراء حتى مع اقرب المقربين اليه، اذا ما احتاج الى كبش فداء او قشة ينقذ بها نفسه من الغرق، فاقرب المقربين اليه بين يديه بملف فضيحة او ملف فساد، فتراهم تحت رحمته ليل نهار. ان العراق الجديد بحاجة الى ان يتعلم من ماضيه القريب، فيدع سياسة صناعة الأزمات وشن الحروب العبثية جانبا، بعد ان تأكد للجميع بان مثل هذه السياسة لن تخدم احدا الا تجار الحروب وتجار الأزمات، وان على كل الفرقاء السياسيين ان يتشبثوا بالدبلوماسية المعتمدة على الحوار والعقلانية كأولوية قصوى لازال هناك متسع منها لحل مشاكلنا مع بعضنا البعض الاخر، او مع المحيط الإقليمي، فالازمات لا تولد الا المزيد من الفشل والتراجع، وهي لا تساهم في اعادة بناء العراق ولا في استقراره السياسي والأمني والمجتمعي، انها تزيد المشهد السياسي والاجتماعي تعقيدا يوما بعد يوم. والمشكلة، هي ان من يتسلم السلطة في بغداد، يستلذ بامتيازاتها وسطوتها، فينسى كل شيء الا هي، ولذلك ينصب كل اهتمامه على ما يمكن ان يساعده على التشبث بها، وباي ثمن، ما يدفعه الى اعتماد سياسة صناعة الازمات او شن الحروب اذا اسعفته الظروف، من اجل ان يبقى في السلطة فلا يسلمها لاحد كائنا من كان، حتى اذا كان ابنه او صهره، كما فعل الطاغية الذليل مع اولاده واصهاره. كذلك، فان نزوع بعض العراقيين الى العنف والإرهاب هو إسقاطات مماثلة لحالات صناعة الأزمات وشن الحروب التي تعودوا عليها زمن النظام البائد، هذه السياسات التي انصهرت فيها الشخصية العراقية، وللأسف الشديد، فباتت جزء من الثقافة المجتمعية، ما يحتاج الى العمل الجاد والبناء من اجل اقتلاعها كجزء متبقي من مخلفات النظام البائد، فان استمرار هذه الثقافة في الوسط الاجتماعي وعدم السعي لاقتلاعها والقضاء عليها سيسبب المزيد من المعاناة، ولا يساهم في اعادة الاستقرار النفسي والأخلاقي في المجتمع. لذلك اقول، باننا لم نتعامل مع مخلفات تلك السياسات الباطلة بطرق ووسائل ايجابية حديثة، فلم نعمل مثلا على كنس مخلفات تلك السياسات، بالتثقيف والتعليم الحديث وبفرص العمل والرفاهية والتمنية وتحسين البيئة وغير ذلك، انما واصل الكثير من السياسيين الذين خلفوا النظام البائد نفس سياسة صناعة الازمات، وان كانوا قد استبدلوا سياسة شن الحروب او التحريض عليها بسياسات العنف والارهاب، فتراى بعضهم يجلس تحت قبة البرلمان او في مجلس الوزراء في النهار، الا انه يقضي سواد الليل مع الارهابيين يخطط معهم ويمول ويدعم ويحرض، او تراه مع الجماعات المتطرفة والمتزمتة يحرض على العنف والتمرد، وللاسف الشديد، ولذلك ظلت السياسات نفسها، الا ان الذي اختلف وتغير هو الهويات والعناوين والاسماء والمسميات، وهذا ما يجب ان ينتبه اليه العراقيون اليوم جيدا، من قبل ان ننخرط في الحرب الاهلية او الطائفية او ما اشبه لا سامح الله، فالنحذر، فالعراق على كف عفريت.