حجم النص
تحقيق: احمد القاضي
من أجل التحاق أعداد جديدة من الطلبة للمدارس المسائية في العراق، فقد قررت وزارة التربية العراقية في عام 2010 تطبيق مبدأ التعليم المجاني فيها أسوة بالدراسات الصباحية، وقد ساهم هذا القرار بتزايد إقبال الطلبة حتّى وصل عددهم إلى ضعف ما كانوا عليه، وهو ما شهدته محافظة كربلاء التي افتتحت مدارسها المسائية لعشرات الطلبة الجدد من أعمار مختلفة، ووصل أعداد الملتحقين في العام السابق أكثر من (872) طالباً في المدرسة الواحدة.
ومع إيجابية هذا القرار بالنسبة للذين فاتهم قطار التعليم لظروفهم الخاصة، ولكنّه شكّل ضغطاً على المدارس المسائية التي تفتقر أغلبها للبنى التحتية والكوادر التدريسية ومستلزمات الدراسة، حتّى اكتظت الصفوف الدراسية بأعداد كبيرة من الطلبة وصل عددهم إلى (78) طالباً في الصفّ الواحد، مما أحدث إرباكاً وتدنّياً واضحاً في مستواهم التعليمي وأصبحت العملية التعليمية تسير ببطء ولا تبشّر بخير لو استمر الأمر على هذا الحال.
ولأهمية هذا الموضوع سلّطت وكالة نون الخبرية الضوء عليه، وكانت محطّتها الأولى مع شريحة الطلبة في المدارس المسائية بالمحافظة، والذين طالبوا الجهات المعنية في وزارة التربية بضرورة الاهتمام بهم والارتقاء بواقع الدراسة المسائية، خصوصاً وإن قرار التعليم المجاني لم يحقق طموح الكثيرين في ظل انعدام الاهتمام بالمدارس المسائية وتراجع مستوى الدراسة فيها.
ويقول رسول أحمد مطلك أحد طلبة مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) المسائية في كربلاء المقدسة: انّ "المعاناة التي واجهتنا هو تزايد أعداد الطلبة في الصف الواحد مما يؤثر سلباً على عملية التدريس، ناهيك عن الانتقال المفاجئ من بناية مدرسة إلى آخر، حيث تمّ تغيير المدرسة إلى أكثر من مكان وخلق ظاهرة الدوام المزدوج في نفس المدرسة، في ظل النقص الحاصل بالكوادر التدريسية ومستلزمات الدراسة".
أما محمد جاسم محمد وهو طالب في الصفّ الخامس الأدبي فيبين ان " فترة الدوام القليلة التي تبدأ من الساعة الثانية ظهراً وحتى الخامسة عصراً غير كافية لإكمال المنهج التدريسي المقرّر وعدم حدوث التفاعل بين الطالب والمدرس داخل الصف وبالتالي تدني مستوى التعليم"، مطالباً وزارة التربية العراقية بأن "تلتفت إلى واقع المدارس المسائية وتوفر للطلبة والتدريسيين الأبنية الجديدة التي تليق بهم وتوفير كافة الخدمات اللازمة لهم".
بينما يشير زميله الطالب عبد الرضا محمد محسن إلى ان "اقتصار فترة التدريس وهي الثلاث ساعات على تلقي الحصص الدراسية أدى إلى انعدام ممارسة الأنشطة كـالرياضة والرسم وتعلم الحاسوب، وهو ما يدعو مديرية التربية في المحافظة إلى زيادة عدد ساعات الدوام الرسمي وتفعيل هذه الأنشطة المهمة للطلبة، مع تهيئة قاعات دراسية جديدة وخلق الرغبة لدى الطلبة لمواصلة تعليمهم".
أما محطتنا الثانية فكانت مع الأستاذ علي خليف هميم مدير مدرسة الإمام الصادق المسائية والذي تحدّث عن المشكلات التي تعاني منها المدارس المسائية في كربلاء وأسباب تراجع مستوى التعليم فيها.
ويقول هميم في بداية حديثه لوكالة نون الخبرية انّ "تدني مستوى التعليم في المدارس المسائية عائدة إلى أسباب عديدة ومنها تزايد أعداد الطلبة في المدارس المسائية واكتظاظ الصف الواحد بأكثر من (78) طالباً، وهو ما يؤثر على عملية التدريس وصعوبة إيصال المادة لهذا الكمّ الكبير من الطلبة واستيعابهم لها، في ظل قلة الكوادر التدريسية وعدد الصفوف في المدرسة الواحدة".
ويتابع حديثه، ان "قرار وزارة التربية العراقية بإلغاء الأجور في المدارس المسائية أسهم في مجيء أعداد كبيرة من الطلبة حتى من الأعمار الكبيرة الذين تركوا الدراسة في الثمانينات من القرن الماضي، ولكنّ ذلك انعكس سلباً على مستوى التدريس في المدارس المسائية التي تفتقر للمستلزمات والكوادر التدريسية".
ويضيف، "وصل عدد الطلبة في مدرستنا خلال العام الماضي بحدود (872) طالباً، حتّى أصدرت الوزارة قراراً يقتضي عدم اكمال الدراسة للطلبة الراسبين لسنتين متتاليتين، مما أنخفض عدد الطلبة في مدرستنا للعام الحالي إلى (490) طالباً".
أما الأسباب الأخرى لتدني المستوى التعليمي في المدارس المسائية، يبين هميم ان "قلة المتابعة وإهمال بعض الطلبة لدراستهم سبب كبير لهذا التدني، فهنالك القليل منهم من جاء حقاً لإكمال التعليم، فيما يتهاون الكثيرون في المجيء إلى المدرسة والمتابعة والجد في الدراسة"، مضيفاً ان "أغلب الطلبة من موظفي الدوائر والعاملين في سلك الجيش والشرطة ويتأخرون كثيراً في المجيء إلى المدرسة وتحضير واجباتهم الدراسية وهي تؤثر بالفعل على مستواهم العلمي".
وطالب هميم في نهاية حديثه بضرورة "توفير كوادر تدريسية إضافية ممن لديهم الخبرة الكافية للتعامل مع طلبة المدارس المسائية وتجهيزهم بالمستلزمات الدراسية"، مشيراً في الوقت ذاته إلى الدور الفاعل للعتبة الحسينية المقدسة وتعاونها مع إدارة المدرسة في العام الماضي بتوفير مولدة كهرباء وتزويدها بالوقود ومادة الكازوئيل، خلال فترة الامتحانات النهائية للصفوف المنتهية والتي استمرت لشهرين متتاليين، وقد ساهمت هذه المبادرة في تخفيف معاناة الطلبة والتدريسيين خلال فصل الصيف وحره الشديد".
وترى السيدة فلور حسون مديرة قسم الإشراف الاختصاصي في مديرية تربية كربلاء من خلال رايها لوكالة نون الخبرية ان "ضعف مستوى طلبة الدراسة المسائية يؤثّر سلباً على أداء المدرس، خصوصاً وان الطالب المسائي جاء بعد رسوبه لأكثر من سنتين والتحق بهذا النوع من المدارس، بالإضافة إلى نقص بعض الكوادر التدريسية لبعض الاختصاصات مثل (الانكليزية والرياضيات)، فنلجأ الى سد النقص عن طريق المحاضرين (الخريجين غير المعينين) وهذه الشريحة تمتلك القدرة العلمية ولكن تنقصها الخبرة بالتدريس".
وتؤكّد فلور على "ضرورة توفير بنايات (مدارس) خاصة بالطلبة المسائية لفكّ الدوام المزدوج الحاصل في المدارس الصباحية وبالتالي ينعكس إيجاباً على المدارس المسائية بحيث نتمكن من شطرها الى مدارس بأعداد قليلة من الطلبة وبهذه الحالة نتمكّن من السيطرة وتطبيق الأنظمة التعليمية".
ولفتت أيضاً إلى "ضرورة زيادة أجور المحاضرين في المدارس المسائية وتسديدها كل شهر بدون تلكؤ حتى يساهم باندفاع الكثير من المدرسين المتقاعدين من أصحاب الخبرات بإلقاء المحاضرات في المدارس المسائية ورفع مستوى التعليم فيها"، مضيفة انه "يجب تكثيف المتابعة من قبل المديرية العامة للتربية وزيارات المشرفين وتجهيز المدارس المسائية بالكتب والقرطاسية، وتخصيص مرشد تربوي لكل مدرسة، مع تمديد فترة تسجيل الطلبة وتفعيل متابعة غيابهم وحسب نظام المدارس الثانوية".
وكانت محطّتنا الأخيرة مع مدير تربية المحافظة الأستاذ عبد الحميد الصفار والذي جاء رأيه مخالفاً بعض الشيء عن التصريحات السابقة ويبين ان "هنالك رعاية واهتمام بالمدارس المسائية وتوفير الكوادر التدريسية من حملة شهادة (البكالوريوس) مع تزويد الطلبة بالمستلزمات الدراسية أسوة بالمدارس الصباحية"، مشيراً إلى ان "انعدام وجودة أنشطة داخل المدارس المسائية والتحاق الطلبة من الأعمار الكبيرة بها هي أسباب تؤدي إلى تقليل عدد ساعات الدوام وتدني المستوى العلمي".
ويضيف أن "شهادة الدراسة المسائية مساوية ومعادلة لشهادة الدراسة الصباحية ولا فرق بينهما، إما بالنسبة للقبول في الجامعات والوظيفة الحكومية وتفضيل شهادة الصباحي على المسائي فهذه تعليمات وزارة التعليم العالي والسبب يرجع إلى كبر العمر وعدد سنوات الرسوب أو ترك الدراسة، وأيضاً بسبب تكدسهم من الأعوام السابقة، حيث أصبحت حصة تعين الشهادات المسائية قليلة ونسبتها بحدود (20%)".
وكالة نون خاص
أقرأ ايضاً
- توجيه للسوداني قد يجد لها حلا :مناطق البستنة في كربلاء يعجز الجميع عن بناء مدارس لابنائها الطلبة فيها
- نينوى تخسر 40% من أراضيها الزراعية بسبب الاستثمار الجائر والتوسع العمراني
- بطاقات الدفع الإلكتروني نقطة تحول إيجابية.. وباب يكبد المواطن خسائر بسبب الاحتيال والخلل التقني