تضمنت النهضة الحسينية معانً وقيم ومبادئ لا تحصى كما انها حملت في طياتها ابعاد انسانية تخطت الحدود الضيقة وهي تمثل صرخة في ضمير البشرية لتستيقظ من غفلتها ولتنبذ كل أشكال العنف والقتل وليحل السلام والعدل في ربوع الارض ولما كانت هذه النهضة دستور لكل من ينشد الحرية والكرامة بقي عشاق الإمام الحسين (عليه السلام) يقصدونه من كل مكان وفي كل زمان فأصبح ضريحه الطاهر ملتقى الزائرين على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وانتماءاتهم فتوثقت علاقاتهم الاجتماعية حباً بالإمام الحسين (عليه السلام) وتقرباً الى الله سبحانه وتعالى ،وكالة نون الخبرية تناولت الموضوع باهتمام مع زائري الامام الحسين (عليه السلام) فكان لها مجموعة من اللقاءات .
قرآن ناطق
الشيخ ادريس تراوري من دولة مالي تحدث لوكالة نون الخبرية عن أهمية اقامة الشعائر الحسينية قائلاً " ان القرآن الكريم ذكر في آية كريمة احياء الشعائر فقال تعالى (ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب ) ومعلوم ان هناك قرآن صامت وأخر ناطق ولاشك ولا ريب ان أهل البيت عليهم السلام هم القرآن الناطق والإمام الحسين عليه السلام هو من القرآن الناطق ولو ان الناس يعرفون الامام الحسين عليه السلام معرفة جيدة لصارت حياتهم طيبة ولتقربوا الى الله أكثر لان الامام عليه السلام قام لكل البشر وبهذا تكون البشرية مدينة للإمام الحسين عليه السلام ولولاه لما عرفت الحرية فبنهضته حفظت هذه الحرية والكرامة الانسانية ،وهذه الشعائر تعبر عن نهضة الامام الحسين عليه السلام وتخلق روحية حسينية في قلوب المؤمنين وشيئا فشيء بهذه الشعائر يُعرف الامام عليه السلام أكثر وبمعرفته يفوز الناس في الدنيا والآخرة ".
وأوضح تراوري "ان الشخص الذي لم يأت الى كربلاء المقدسة لزيارة مرقد الامام الحسين عليه السلام تكون لديه بعض التصورات عن هذه الزيارات لكن ما ان يأتي لزيارة المرقد المقدس حتى يتعلق قلبه بالإمام عليه السلام وكلما تردد الزائر على زيارة أهل البيت عليهم السلام كلما ازداد شوقاً وحباً لهم ،والمعنويات التي تنتج عن هذه الزيارة تقرب المؤمنين الى الله عز وجل وتجعلهم متحابين متقاربين يحب بعضهم بعض في الله ".
قاسم مشترك
اما مدير عام معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية الشيخ شفيق جرادي فتحدث لنا عن العلاقة الاجتماعية وتأثرها بالشعيرة الحسينية قائلاً " ان الانطلاق في اي علاقة اذا لم تكن مبنية على الود ووحدة المشاعر ووحدة العرق والنظرة فتراها في الغالب الاعم علاقات مضطربة ،وان الناس يتوحدون حباً بالإمام الحسين (عليه السلام) ورغم كل اختلافاتهم التي قد تطرأ بسبب أمور لها علاقة بشأن الخصوصية الثقافية او الفقهية او السياسية وانأ هنا أتحدث عن الشيعة تحديداً لكن هناك القاسم المشترك الذي يجمع الكل هو ذلك الاندفاع النفسي والشغف الروحي بحكم العلاقة بابي عبد الله الحسين عليه السلام من هذا المنطلق كل الذي نراه من امكانية الشيعة في تشكلهم الاسري او تشكل حتى جماعاتهم السياسية وفئاتهم انما يقوم على اساس هذا الحب لان هناك ميزة يجب ان نلحظها وهي ان ادوات التعبير عن هذا الود تتمثل أكثر بالشعائر الحسينية ابتداءً من أقامة المجلس الذي يوحد بين الناس في طريقته و في ادائه وفي معنوياته الخاصة مرورا او انتهاءً في العتبات المقدسة عن ضريح الامام علي او الامام الحسين عليهما السلام او اي ضريح مقدس آخر لذلك يمكن لي ان اقول ان ظاهرة الشعائر الحسينية وطريقة توحد الناس على ضوء هذه الشعائر هي ظاهرة فريدة خاصة للموالين للرسول محمد واله صلى الله عليهم أجمعين ".
وبين جرادي " ان نهضة الامام الحسين عليه السلام في واقعة الطف اشتركت فيها أكثر من طائفة وأشترك فيها أكثر من مجتمع وهذا يعني ان واقعة الطف حملت بعداً انسانياً واضحاً في المضمون وفي الاهداف لذلك جمعت لو من باب الترميزات وان كانوا قلائل جملة من المعتقدات والأديان الاخرى وهذا دليل بين وبرهان واضح على فطرية المعتقد الديني المتمثل بالتأسي بأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ".
الدكتور المستبصر علي الجبري كان له رأي في طريقة اقامة هذه الشعائر فقال لوكالة نون الخبرية "يكون ذلك حسب تكوين الشخص وميله العاطفي وذوقه ومعرفته وطبيعة حكمه على هذه الممارسات والطقوس الحسينية وانأ شخصياً حالة من هذه الحالات فانا بالأصل تكويني علمي فأحلل كل شيء بالمنطق ، والشعائر الحسينية عظيمة على المستوى الشخصي والعائلي والجمعي فهي وسيلة من وسائل اللقاء والتعبير الجماعي كالصلاة مثلاً وهي تعبير جماعي لعقيدة معينة او لشعور معين او لدعم معين وهذا كله مهم وحتى الناظر والمراقب لهذه الشعائر يتأثر لا محالة بهذه الأمور".
وأضاف جبري" وما يقام من مهرجانات عالمية كمهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي الذي ساهم بشكل فاعل في التعريف بالمبادئ الانسانية للنهضة الحسينية التي تهم كل الشعوب والمجتمعات المتدينة وغير المتدينة كون ان هذه المبادئ تحرر الانسان وتخرجه من الظلم فالإنسان بفطرته يظلم الآخر،وقد لمست ان المهرجان قارب بين الشعوب والمجتمعات وآلف بينها وهو قد نجح في خلق التواصل بين المجتمعات والإطلاع أكثر على مبادئ النهضة الحسينية حيث وصف أحد زملائي القادمين من فرنسا وهو شيخ في الـ 70 من عمره خدم الاسلام 40 سنة وهو لا يجيد اللغة العربية كونه يتكلم باللغة الفرنسية قال هنا اكتشفت الاسلام الحقيقي حين زرت الامام الحسين عليه السلام والتقيت بإخواني الشيعة .
السيد وليد البعاج : نلاحظ تميز واضح على العلاقة والترافق في زيارة الامام الحسين فهناك نوع من العلاقة الروحانية والصداقة والأخوة بين الافراد في مختلف طبقات المجتمع.
الباحث في مقارنة الاديان السيد وليد البعاج شاركنا بطرحه حول تأثير المبادئ الحسينية على المجتمعات حيث قال "ان الامام الحسين(عليه السلام) مهما اردنا ان نوضح الصفة التي يريد ان يمثلها او كل جهة اودين او طائفة يريد ويسعى الى تناول شخص وثورة الامام الحسين عليه السلام ويتناول جانب منه فيجد ان هذا الجانب يعد زاخراً وغنياً ومفعماً بالحياة مما يدل على ان الامام الحسين ليس فقط لطائفة معينة او دين معين فلذلك يقيناً عندما تجد وتستشعر هذا التوافد والإقدام من مختلف الاشخاص وذات الانتماءات العديدة والمتنوعة تأتي الى هذه البقعة المقدسة والى العتبة الحسينية المقدسة فتجد انعكاساً واضحاً من الافراد المتوافدين في الاسلوب والسلوك و الاخلاق وفي كل اوجه التعامل مع الاخرين وكذلك ما نلاحظه من خلال الزيارة الامام الحسين عليه السلام فان ذلك ينعكس بشكل ايجابي وواضح حتى في الرفقة فنلاحظ تميز واضح على العلاقة والترافق في زيارة الامام الحسين فهناك نوع من العلاقة الروحانية والصداقة والأخوة بين الافراد في مختلف طبقات المجتمع حيث ينظر الى الامام الحسين عليه السلام على انه قبلة الاحرار تتوجه صوبه النفوس والمهج قبل ان تتوجه اليه الاجساد
ومما لاشك فيه ان يكون الانعكاس واضحا وجلي في شعائر الامام الحسين على تهذيب النفوس وتطوير العلاقات الاجتماعية وزيادة اواصر المعرفة والاخوة بين الافراد
وعن استفادة المجتمعات من العبر المستخلصة من النهضة الحسينية أوضح البعاج
"كان الامام الحسين عليه السلام حاملا للواء الاصلاح وكان مفهوم وكلمة الاصلاح واضح جدا لديه وهو مفهوم عام لا ينحصر على اصلاح مجتمع او تكتل معين فالإصلاح هنا يعم النفوس ويعم المبادئ والقوانين النفسية والأخلاقية والتربوية والاجتماعية والإمام الحسين عليه السلام يمثل الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم والرسول يقول (انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق ) فقد كان الهدف من البعثة هو تأسيس مجتمع أخلاقي ولو عدنا للحديث وتأملناها فأن الاداة (انما) تفيد الحصر والرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم يحصر البعثة بإتمام مكارم الاخلاق والإمام عليه السلام قال قبل استشهاده ( انما خرجت لطلب الاصلاح )لذلك اهتدت بثورة الامام الحسين عليه السلام كل المجتمعات وكل الاديان فغاندي على سبيل المثال رغم انه يعبد البقر إلا انه تأثر بالنهضة الحسينية وكذلك تأثر الكثير من الزعماء والقادة والمفكرين بهذه النهضة وكل واحد من هؤلاء تأثر بمبدأ معين من مبادئ النهضة الحسينية كالحرية والتضحية والدفاع عن الحق رغم قلة الانصار".
واستطرد البعاج " ان الامام الحسين عليه السلام أعطى نموذجاً فريدة ودرساً بليغاً وهو ان الدم ينتصر على السيف وان الضحية ينتصر على الجاني وان المقتول هو المنتصر والخاسر هو القاتل فليس الهدف و الغاية ان يخرج الشخص منتصر وبيده اللواء انما الهدف هو ان ينتصر المبدأ فالإمام عليه السلام اعطى درس لكل القادة فأصبح قائد كل ثورة لا يفكر بالمكسب او الوصول الى سدة الحكم وإنما يسعى الى تحقيق المبدأ .
الزائر حسين علي من سوق الشيوخ يرى "ان اداء المراسيم الحسينية من السير الى كربلاء المقدسة على الاقدام وغير ذلك من الشعائر قد خلق علاقات جيدة وذلك من خلال التقاء الزائرين في الطريق او اثناء مرور الزائر بالمواكب التي تنتشر على جوانب الطرق او عند المرقد الشريف فتكون هناك علاقة فطرية طيبة تختلف عن العلاقات المادية الاخرى او العلاقات التي تكون نتيجة المشاركة في عمل معين او العمل في مؤسسة او دائرة حكومية او غير حكومية ،مضيفاً من خلال زيارتي الى مرقد الامام الحسين عليه السلام اصبحت لدي علاقة قرابة ورحم بأهالي كربلاء وذلك بسبب التعارف الذي حصل نتيجة الزيارة ".
فيما قال الزائر نصير الجابري من المثنى "ان زيارة مرقد الامام الحسين عليه السلام تخلق حالة من التواضع والتعايش بين الناس فأنا من خلال زيارتي لمراقد المقدسة في النجف وفي بغداد وكربلاء المقدسة قد أصبحت لي مجموعة من الاصدقاء الذين يسكنون في مختلف المناطق وانأ اتواصل معهم ".
فضل الشريفي ـــــ محمد اليساري
وكالة نون خاص