- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الفيس بوك نصب الحرية الجديد .
حجم النص
بقلم :طلال فائق الكمالي
كدت أطير فرحا وانأ التمس الحياة لتدب فيَّ ابتدءا من أم رأسي ..... ها أنا أتحسس خلايا المخ وهي تُعيد حيويتها ونشاطها بعد سُبات دام سنين ..... من أول يوم ذهبت بكارة الحرية الموؤدة بسكين الظلم ومعول الغدر ، لتدفن بوادي الجهل ، ساعة الغسق حين تودع الشمس أحبابها.
استبشرت خيرا واستبشر أهلي وهم يفترشون حبات الرمل في البادية ، والطين الحر في القرية النائية ، وعلى رُكام تحضُر الغرب في مدينتي الباكية ، استبشرت حين طلع الفجر بعد يوم (بألف سنة مما) يعدون ، لتجر الشمس بأذيال خيوطها من جديد لشعب ذاق طعم المُر ولم يذق سواه ، ولم يتصور إلا غير ما قرأه في القرآن عن جنة فيها فاكهة ورمان ، وشهد ولبن وخمر لظمئان ، وحور عين وفيض من حنان .
لم تدم الفرحة طويلا حتى استيقظت كما استيقظ الجميع على صدى دوي عبوة هنا ومفخخة هناك لاستنشق رائحة البارود التي استنشقتها يوم لدت في مدينة فاضلة برؤيا حاكم من صنم ، استنشقتها رغم انفي لأطرح زفير من أوجاع وآهات ، وألام وحسرات ، نعزف بها سمفونبة جديدة لبتهوفن ، ترقص على نغماتها غجرية بكامل حُليّها.... على جوارحنا .... بين أشلاء الضحايا ....... بين المسامير والحصا والشظايا .
عندها وقفنا لنبكي ونندب حالنا ونقود أنفسنا بأنفسنا أسرى معصوبي الأعين ، مكبلي الأيدي والأرجل ، إلى معسكر الأسر الجديد ، ذي البأس الشديد ...... وقفنا بكل خشوع بين سجود وركوع لآلهة من هواء ، وِفق شريعة البرق والرعد والشقاء ، لنسطر مواقفاً تًخلد بلا عناء ، كصرح من حجر على سطح ماء .
وقفنا عند القضبان نستذكر نصب الحرية ، نستكثر رجل كسّر قيد العبودية ، رجل يخرق جدار الرق .... يخرج مناديا حرية حرية ، وقفنا تحت صخرة ساحة الميدان نسترق السمع ونستأنس بصهيل الخيل العربية ، عسى أن نسير بخطى حوافرها ، ونعيد أمجاد لوحة معبرة إنسية خطتها أنامل امة لا شرقية ولا غربية ، امة إسلامية إنسانية .
وعلى الشاطي الثاني آخرون انتصروا لربيع العرب النائمين على أريكة من خيزران متكئين عليها حالمين بربيع من الشوك والرماح قاصدين .
وبين طرفي النهر زورق ليتيمين في المدينة ، وفي الأفق آخر لقبطان يريد أن يبتلع حيتان النهر الجائع ، وهناك آخر لصنم جديد يصداد بشر بلا روح من لحم ودم..... ليسوقه إلى دكان شمع كلما شرقت عليه الشمس صار شكلا آخر ، قد يكون بشر من طين أو قد لا يكون .
وهناك في زحمة الطريق الذي يقودني إلى ساحة التحرير علقت على كتفي جهاز حاسوب كان أملي أنه يرشدني ، ويعصمني من الخطأ والنسيان ، يعصمني أن لا أكون بعيدا عن مسار الحق ...... مجاورا مناصرا للحسين مهما طال الزمان ، أصول وأجول ارض الطف متوسما نياشين العزة والكرامة ..... فما وجدت للحسين مكان .
تصفحت النت الأبيض الأسود فوجدت بريق الفيس بوك (ماليء الدنيا وشاغل الناس) ، لاستبشر ناشدا فزت ورب آدم وحواء ، سأنال حريتي من بين الأسطر والأصدقاء ، سأنهل المعرفة مستجديا إياها بلا حياء ، وانتزع رداء النبلاء والبس ثوب المساكين الفقراء ، وازحف نحو القمة بحثا عن أخ لي..... يتعبد بشريعة السماء .
فتشت لأقرأ الأسطر وما فيها ، ثم فتشت لأقرأ ما بين الأسطر ..... فلن أجد من يقودني إلى القمة ، وما وجدت غير شاب هنا يبحث عن قرينة أو شابة هي الأخرى لا تدري ماذا تريد ، والأدهى وجدت من يزرع العبث ليحصد الشوك ، ومن يتفاخر برسم له جديد ، أو نشر فكاهة ليضحك الآخرين ، وآخر يعلق على غرائب الدنيا السبعين ، وما من أحد يسعى أن يصنع غرابة أخرى ليحطم رقما قياسيا جديد ، ليصبح العدد الواحد والسبعين ، أي بقدر غرائب رجال الدنيا ..... أصحاب الحسين الواحد والسبعين .
عندها تملكني الخوف من أن النت قد هُكر ، فلا يعقل أن لا نجد أحدا يتحدث بلغة الرجال في بلد ملؤه الرجال ، أو لغة العصر التي أكتسحت مشارق الأرض ومغاربها ، أو لغة الربيع الفكري أو الخريف ، في وقت يُحتم تنافس المتنافسون ، في وقت لا يكون الماسك على دينه وقيمه وإنسانيته ووجوده (كالماسك على قبضة من نار ) .
هنا صدحت حنجرتي:
لا لفيس بوك كصنم جديد .
نعم نريد فيس بوك ميدان فكر جديد ، أو نصب حرية بثوب جديد .
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً