- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أغلبية ليست صامتة ...الشعب الليبي أنموذجا
من خلال فهمنا واستنطاقنا وتحليلنا و\"استلهامنا\" للشعار البدوي والبدائي الذي صار يتردد على مرأى ومسمع الجميع حيث وضع \"الأخ\" العقيد معمر القذافي \"القائد\" المزمن لانقلاب الفاتح من سبتمبر 1969، وضع نفسه مباشرة بين اقنومين الاول هو لفظ الجلالة والثاني اسم البلد ليبيا ليكون الشعار المتداول والمستهلك ايدولوجيا وإعلاميا (الله / ومعمر/وليبيا...وبس) وهذه الـ\"بس\" لم توضع اعتباطا بعد تلك الاقانيم الثالوثية التي يتوسطها عنوة وقسرا منذ اثنين وأربعين عاما \"الأخ القائد\" وإنما لقطع الطريق على اي مفهوم او اقنوم آخر يزاحم تلك الاقانيم او يحل رابعا او خامسا .... الخ من خلال فهمنا لهذا الشعار الذي تتزاوج فيه الإيحاءات الثيوقراطية بالنزعات الديكتاتورية الأوتقراطية مع الاستيهام الوطني الضبابي ذي البعد القومي العائم .. نجد حجم المأساة التي عاشها الشعب الليبي الذي بات يتحسر على أيام الملكية السنوسية كما لم يحظ بجمهورية حتى بنمطها الشكلي على غرار النظم الجمهورية العالمثالثية مع مساوئها الديكتاتورية وعوراتها الأيدلوجية المستنسخة بنسخ مزيفة من هوامش ومتون أيدلوجيات المعسكرين الغربي والشرقي كما إن الشعب الليبي في عصر مايسمى بالعصر \"الجماهيري\" او \"السلطة الجماهيرية\" كما فلسف له القذافي في كتابه الاخضر ، لم يتمتع بسلطة الجماهيرية التي يدعي القذافي انه منحها للشعب الليبي (كما يدعي منذ عام 1977) ليحكم نفسه بنفسه بعد أن أزاح جميع النظريات والفلسفات الرأسمالية والاشتراكية وغيرها ليطرح هذا النموذج الذي اعتبره \"الذروة\" في النماذج المطروحة للحكم مسخرا جميع إمكانات بلاده الهائلة (النفط، الغاز الطبيعي وهما مصدرا الدخل الرئيسيان في البلاد وتبلغ احتياطات النفط في ليبيا 41.5 مليار برميل مما يجعلها تتصدر الدول الأفريقية في هذا المجال ) لتسويق هذه النظرية غير العقلانية التي صوت عليها الشعب الليبي بالرفض القاطع من خلال ثورته المحتدمة والتي فضحت ما كان يجري في ليبيا خلال العقود الأربعة الماضية بعد ان طوق القذافي ليبيا بطوق من حديد ولفها بستار إعلامي معتم واوهم العالم بان شعبه يعيش في بحبوحة سلطة الجماهير (التي حكمها القذافي وعائلته وعشيرته بالدم والنار) ويعيش في نعيم ثرواته (التي بددها على نظرياته ومغامراته وعنترياته وصفقاته المشبوهة على حساب الشعب الليبي).
من أهم الانجازات التي حققتها ثورة الشعب الليبي (وقبله الشعبان التونسي والمصري) تلك الثورة التي بدأت على شكل احتجاجات استحالت الى ثورة هادرة أقصت المفهوم الذي طالما دغدغ كرامة الشعوب واعني (الأغلبية الصامتة) فلم يعد الشعب الليبي أغلبية صامتة بعد ان دحرجت عربة التونسي ابو عزيزي زين العابدين عن السلطة كما دحرج شباب ميدان التحرير في القاهرة نظام مبارك الى عزلته في شرم الشيخ وهاهي الأغلبية الليبية الناطقة تحول ليبيا كلها الى ميدان للتحرير لتدحرج القذافي الى مزبلة التاريخ .. من أهم انجازات هذه الثورة انها اندلعت عفوية وخالصة ونقية من شوائب وأدران وإرهاصات التأدلج والتحزب والعسكرة ومن التجاذبات الخارجية والمصالح الإقليمية والدولية فضلا عن انها حظيت بتعاطف المجتمع الدولي ،وان جاء متأخرا، وبعد أن دخلت مبادئ حقوق الإنسان عصر العولمة ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948مع وثيقتي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966) وضمن المسؤولية القانونية والأخلاقية للأسرة الدولية برمتها اذ لم تعد الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق المدنيين الأبرياء وتحت اي مسوغ شأنا خاصا لتلك الدولة أو ذاك النظام ولم يعد تحرك المجتمع الدولي للحد دون وقوع هذه الانتهاكات أو استمرارها تداخلا في الشأن السيادي للدولة المعنية بتلك الجرائم او تصادما مع استقلالها او تعديا على شخصيتها القانونية او الاعتبارية .
والانجاز الأهم الذي حققته ومازالت تسعى الى تحقيقه كنتيجة حتمية لنجاح الثورة وهي انه بعد الممارسات القمعية والهمجية التي ارتكبها القذافي طيلة حكمه وما ارتكبه من مجازر وحشية ضد احتجاجات شعبه التي اتخذت الطابع السلمي والمدني، لم يعد هناك اي غطاء شرعي او أخلاقي او سياسي يدعو الى بقاء نظام ديكتاتوري متهرئ قد عفا عليه الزمن فيزيائيا وأيدلوجيا وصار نموذجا متحفيا متداعيا من مخلفات الحرب الباردة التي انتهت بسقوط أنظمة حلف وارشو التي كان رئيس رومانيا شاوشيسكو الذي اعدم سنة 1989 بعد ثورة شعبية عارمة أطاحت به احد أصنامها فضلا عن إن نظام القذافي يمثل احدى النماذج الكلاسيكية للديكتاتوريات التوتاليتارية القبلية الشمولية والتي اعتاشت على الفكر القومجي المصطبغ باللون الراديكالي الغوغائي غير المنضبط أيديولوجيا او سياسيا وغير المشرعن جماهيريا او شعبيا وبيسارية عبثية مازالت تجترُّ التاريخ العائم لشعوبها المقهورة وتلوك انساق أفكارها الغرائبية عن واقعها وعن ما هو مألوف في كل الفلسفات السياسية التي غيرت مجرى التاريخ وتستمرئ شعاراتها التي اكل الدهر عليها وشرب وتستوحي نظريات لم تعد مقبولة حتى في مجاهيل الامزون اضافة الى كون نظام القذافي الذي صعد في ذات الحقبة التي صعدت فيها اغلب الأنظمة العربية (العراق السودان مصر الجزائر سوريا اليمن ليبيا وغيرها) وبذات السياقات الزمنية ومفاعيل مصالح وأجندات القوى الكبرى ما بعد منتصف القرن الماضي او ما يسمى بعصر \"الاستقلال\" عن الاستعمار كونه استغل بريق العهد الناصري محاولا ان يطرح نفسه على انه امتداد للناصرية وابن \"بار\" لعبد الناصر وليشرعن انقلابه الذي حظي آنذاك بمباركة المعسكر الاشتراكي ورعاية عبد الناصر \"الأبوية\" نفسه وبعض الأنظمة التي هي على شاكلته ومن هذه المباركة والرعاية انطلق القذافي ليسوق نفسه على مدى أربعة عقود مرة بالاتجاه القومي (وهذا التسويق احد خطايا نظام عبد الناصر التي مازال الشعب الليبي يدفع ثمنها باهظا) ومرة بالاتجاه الإقليمي مع دول الجوار الإفريقي ومرة ثالثة بالاتجاه القاري كزعيم أوحد للقارة السمراء ومرة باتجاه العالم الثالث كأب روحي للزعامات الراديكالية في أمريكا اللاتينية وآسيا وغيرها وقد انتهى الأمر به من وريث شرعي للزعيم عبد الناصر والفكر القومي العقيم الى \"زعيم \" هو اقرب الى الإلوهية او الجنون او كلاهما بعد ان وضع لفظ الجلالة قبل اسمه ووضع ليبيا بعده ومازال يكابر أمام العالم اجمع على إن ما يحدث في ليبيا الآن هو ليس ثورة بل هي مشاغبات خارجة عن القانون ولاعلاقة لما يجري بأية أحداث اخرى وقعت على تخوم بلاده في مصر او تونس واصفا الأغلبية الناطقة من جماهير الشعب الليبي أحفاد عمر المختار بانهم جماعات من المحششين والعملاء المأجورين والجرذان في حين ان الوقائع مازالت تثبت بأن مايجري هو ثورة شعبية عارمة أشعلتها الأغلبية الناطقة ليس الهدف منها الإطاحة بهذا النظام الديناصوري المتهرئ كأحد الشواخص المتبقية من أطلال وخرائب عصر الأيدلوجيات الفاشلة والبائدة، بل لرسم خارطة طريق نحو مستقبل أفضل لشعب سئم هلوسات وشعبذات الكتاب الأخضر والمظاهر \"القرقوزية\" والحركات الكاريكاتيرية لمن يصف نفسه بانه ملك ملوك إفريقيا وقائد العالم الثالث وخاتم أنبياء وفلاسفة التنظير والعلامة الفارقة نحو نهاية التاريخ وأفول الفلسفات من خلال نظريته الثالثة الكاسدة وكتابه \"الأخضر\" .
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)