نحن امة خطاب ....ولانجيد لغة الحوار ...هكذا كان تشخيص الدكتور علي الوردي لطبيعة المجتمع العراقي ,انه تشخيص رائع ,فقد وضع النقاط على الحروف .فنحن لازلنا لانجيد سوى الخطابات والهتافات والتنظيرات والهوسات فقط .وهذه هي الحقيقة والتي على الجميع ان يتقبلها ويتعامل معها ,نقول دائماً وبصراخ وتبجح بأننا أول من وضع القوانين في المعمورة ,وان حمورابي هو اول من وضع القانون في مسلته الشهيرة ,ولكن المفارقة المضحكة المبكية اليوم اننا نشاهد احفاد حمورابي يفتقدون الى القانون ,بل انهم غير قادرين على وضع قوانين تقنن حياتهم ونشاطاتهم .
من هذه المقدمة والتي ارجو ان تكون موفقة ,دعونا نتأمل المشهد الرياضي العراقي اليوم .فما الذي نشاهده من تفاصيل.الجميع يعرف ان للرياضة العراقية رافدان لاثالث لهما ,ويشكل هذان الرافدان العصب الرئيسي للرياضة العراقية ,الرافد الاول هي الاندية الرياضية بكل درجاتها وتفاصيلها والمنتشرة على مساحة الوطن ومرجعيتها الرسمية وزارة الشباب والرياضة ,والرافد الثاني الاتحادات الرياضية المركزية والفرعية ومرجعيتها الرسمية اللجنة الاولمبية الوطنية العراقية .اذن نحن امام مؤسستين تمسكان بمقود العمل الرياضي في العراق بشكل عام . ومن المدهش حقاً ان هاتين المؤسستين تعملان بلا قانون نعم بلا قانون ولذلك كانت رياضتنا بلا قانون فاصبحت رياضة تسير بأقدام عرجاء وخطط شوهاء وادارات بلهاء .
بالامس القريب خرج علينا السيد وزير الشباب والرياضة برؤية جديدة ونظرية حديثة (على حد تعبيره) اسماها (الفكر التخطيطي الستراتيجي للعمل) وجاء ذلك بمقال بعنوان (وزارة الشباب والرياضة ...اربع سنوات من التخطيط الستراتيجي) نشرته رياضة وشباب الغراء في العدد 253 في 26/4/2010 .
قلنا في بداية حديثنا اننا امة خطاب ....ونظريات ....وتنظيرات ....لااعرف ربما لااجيد لغة الجدال النظري البيزنطي هذا والذي يتطلب ان يكون من يتقنه عارفاً بمصطلحات مثل (الستراتيجية – التخطيط المحوري – الفكر التخطيطي) وغيرها من المصطلحات التي اشعر انها عسيرة الفهم والهظم ,انها مصطلحات النخبة كما يقول اصحاب النظريات العلمية .حيث يؤكد السيد الوزير( بأن الوزارة كانت تفتقد للفكر الستراتيجي والتخطيط المحوري) قبل استيزاره !!! وهذا شيء مفرح ويدعو للتفاؤل والغبطة ! بمعنى ان السيد الوزير قد اشبع وزارته فكراً ستراتيجياً وتخطيطاً محورياً !!! وعليه فأن وزارة الشباب والرياضة قد نقلت الرياضة العراقية نقلة مفصلية وحاسمة فقد اخذت الرياضة العراقية تسير بمديات كبرى من خلال الفكر الستراتيجي والتخطيط المحوري بعد استيزار السيد الوزير !!!
لااعرف لماذا نغض الطرف عن اخفاقاتنا واخطائنا ؟ لماذا لانكون واقعيين ونحن نتحدث عن واقع اقل مايقال عنه انه واقع مأساوي ؟؟؟ . لقد تبجح السيد الوزير كثيراً بأنجازات وزارته (ومن حق الرجل ان يفخر بذلك)فلغة الارقام تعطيه ذلك الحق ,فقد شخص سيادته نقاط الخلل ورسم خطة طموحة متكونة من ثلاثة عشر اساساً وحدد مسارات الوزارة لغاية عام 2020 كل ذلك تم في اول ايام استيزار سيادته !!! (يالطول الامل في البقاء بمنصب الوزارة) .
ولكن دعونا نسأل اين هي حصة الاربع سنوات التي مضت ؟ هل كانت هذه السنوات مشمولة برؤية ونظرية الفكر الستراتيجي والتخطيط المحوري ؟ .لقد مضت هذه السنوات والوزارة فيها منشغلة بفصول معارك داحس والغبراء مع اللجنة الاولمبية الوطنية العراقية واتحاد الكرة ,ثم جاءت ملحمة انتخابات الاندية الرياضية والتي جرت بدون قانون نعم بدون قانون وانما جرت وفق لوائح اعدها الجهبذ جزائر السهلاني والتي افرزت لنا ادارات اندية اقل مايقال عنها انها ادارات أمية جاهلة مراهقة ادارياً وفنياً ومستجدية مالياً وبالتالي كانت انديتنا خاوية وهي تسير برياضتنا الى حافة الهاوية ثم أكملت الوزارة المهزلة الانتخابية الكبرى حينما حشرت انفها بأنتخابات الاتحادات الرياضية واللجنة الاولمبية وتحت لواء عراب الانتخابات الرياضية السهلاني !!!؟
بعد ذلك جاءت هوسة بطولات الجائزة الكبرى وملياراتها التي صرفت بطريقة لايعلمها الا الراسخون في دهاليز الفساد ,فهذه البطولات التي طبلت لها الوزارة كثيراً واعتبرتها اولمبياد عراقي اخفقت ان تنجب لنا لاعباً واحداً بأي فعالية مع العلم بأنها كانت مخصصة للفئات العمرية .
ثم طلعت علينا الوزارة بفتح الفتوح الاوهو مشروع (برلمان الشباب) والذي شهدت قاعات فندق المنصور ميليا كل احداثه الدراماتيكية وجلساته الساخنة جداً .ولانعرف ايضاً كيف صرفت المليارات على هذا البرلمان الذي لم نشاهد له جلسة واحدة ,ثم توالت المشاريع علينا فكان مشروع المرصد الشبابي الذي يبدو انه سيكون بديلاً للمرصد الزلزالي العراقي ,ثم مشاريع اسكان الشباب والمسح الوطني للشباب وغيرها من المشاريع .
حقاً ان شبابنا اليوم محسودون من قبل شباب دول الجوار بما يحصلون عليه من حقوق وبما ينعمون به من امتيازات حققتها لهم وزارة الشباب والرياضة من خلال 450 مشروعاً شبابياً ورياضياً .
لااعرف لماذا يتغاضى السيد الوزير الحديث عن البنى التحتية الرياضية ؟؟؟! ويبدو انه نسى او تناسى بان هذه البنى التحتية الرياضية هي واعمارها من صميم مهمات وزارة الشباب والرياضة وعليه فلولا مبادرة السيد نيجرفان البرزاني باعمار ملعب الشعب لبقي الملعب على حاله .اما القاعات وبقية الملاعب فلازالت تصرخ لله يامحسنين !!!
ونحن نعد العدة لبناء المدينة الرياضية في البصرة بمبالغ ذات ارقام هائلة تبقى ملاعبنا في عموم الوطن جرداء بائسة لاتصلح الا ان تكون كراجات للسيارات القديمة .كفانا مكابرة وتبجحاً سيدي الوزير فنحن نتحدث عن (550) مليار دينار بهذه البساطة !!! .اين الملاعب ؟ اين القاعات ؟ اين المسابح ؟ اين ؟ اين ؟ لم نحصل على شيء سوى ملاعب ترابية للفرق الشعبية ومشاريع صغيرة خجولة لاتلبي طموح أي شاب في عراقنا الجديد .
اعطني ملعباً جيداً اليوم ....وقاعة تليق بالرياضة والرياضيين اليوم.... ومسابح مغلقة مثل مسابح بقية خلق الله.....
وخذ كل هذه النظريات ....والتنظيرات .....والسياسات المستقبلية....(والستراتيجية ....والتخطيط المحوري ....والفكر التخطيطي)وغيرها من هذه المصطلحات والتي لاتغني ولاتسمن من جوع !!!فقد تجاوزتنا دول الجوار كثيراً ...فلم يعد بأمكاننا ان نلحق بها الا بثورة عمرانية وانقلاب حقيقي يزيح كل هذا الركام الذي خلفته النظريات التي لاتدوم حتى على الورق
انني اخشى ان يأتي عام 2020 وانا اشاهد
ملاعبنا ....وقاعاتنا ....ومسابحنا....(على حطة ايدك) في الوقت الذي تستعد فيه الصومال لأستضافة الاولمبياد!!!
لذلك علينا سيدي الوزير ان نضع قانوناً واضحاً وصريحاً لوزارة الشباب والرياضة وانديتها واللجنة الاولمبية واتحاداتها لاننا بدون هذه القوانين نبقى نسير بأقدام عرجاء .
فبالوقت الذي نتبجح فيه بالحديث عن المستقبل والستراتيجية والتخطيط المحوري والفكر التخطيطي نشاهد وزارة الشباب والرياضة تسعى بين الفينة والاخرى الى الطلب من بعض الاندية بأخلاء مقراتها ,وانها تتعامل مع الاندية وفق مبدأ القطارة بخصوص المنح التي يخجل المرء ان يتحدث عنها والتي جعلت انديتنا تقف تتسول على ابواب المسؤولين والسياسيين الذين وجدوا في الوسط الرياضي المرتع الخصب الذي يبحثون عنه .وان نجد العشرات من الاندية الوهمية التي لاوجود لها الا في قوائم المنح .وان نجد اندية تتمرد على البطولات فتسحب فرقها وقت ماتشاء وان نشاهد رؤوساء اندية امتلكوا انديتهم امتلاكاً ازلياً فتارة نراهم يسحبون فرقهم من الدوري وهم يقطرون ثورية ونخوة على مصير الرياضة العراقية وتارة اخرى نراهم يعودون بفرقهم للدوري تحت نفس الذريعة وكأن الدوري مقهى عزاوي !!!....
كل ذلك يحدث لان الوزارة بلا قانون نعم بلا قانون يلزمها وينظم واجباتها اتجاه الآخرين .وكذلك كانت اللجنة الاولمبية والتي اوعدنا قائدها الكابتن بأنها ستشهد انطلاقة حقيقية ,لانه صاحب مشروع رياضي كبير. ,مضى عام ولم نرى أي تغيير فوضعية الاتحادات المركزية والفرعية منها على وجه الخصوص بقيت على حالها ..ولازالت منحة الاتحاد الفرعي
مليون دينار سنوياً ,ولازالت مخصصات مدرب منتخب المحافظة على سبيل المثال وليس الحصر 100 الف دينار وتدفع له كل ستة اشهر .....اين التغيير....؟اين التغيير ...؟ ايها الكابتن .
كل ذلك يحصل لان اللجنة الاولمبية واتحاداتها بلا قانون ..نعم بلا قانون ....لذلك علينا اليوم سيدي الوزير ان نضع القوانين قبل ان ننظر وقبل ان نضع النظريات .....والستراتيجيات .....ذات االتخطيط المحوري ...والفكر التخطيطي
فبالقانون وحده تحيا الامم والشعوب .فهل بأمكاننا اليوم ان نقنع العالم بأننا احفاد حمورابي صاحب اول مسلة قانونية في التاريخ ؟؟؟!
انه سؤال يبحث عن اجابة !
أقرأ ايضاً
- علاوي يكتب في ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر(قدس)
- الوزيرة قبل وبعد !!
- علاوي يكتب :العراق متجه نحو الانهيار ..مقترحات نطرحها لإنقاذ العراق من هذا الانهيار الحتمي