- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السفير الجزائري بالعراق يكتب في الذكرى الستين لإستقلال بلاده : ذاكرة شعب ومبادئ راسخة من رسالة الشهداء
بقلم:بلقاسم محمودي
أحتفلت الجزائر بالأمس بالذكرى الستين لإسترجاع السيادة الوطنية وهي تعيش مرحلة جديدة تطبعها إصلاحات هامة في المجالات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية داخليا و تسعى خارجيا للتعامل بجدية وحزم مع التحديات الدولية و الإقليمية الراهنة و المستقبلية في عالم يشهد تغيرات عميقة و سريعة.
تُحيّي الجزائر هذه المناسبة وهي الذكرى الستين لأستقلالها الوطني الذي يُصادف يوم الخامس من شهر يوليو كل عام وكلها عزم على مواصلة عملية البناء و التشييد الوطني و لعب الدور المَنوط بها إقليمياً و دولياً بإعتبارها قوة إقليمية تضمن الإستقرار و السِلم في المنطقة.
لقد عرفت الجزائر إستعماراً إستيطانياً هو الأبشع في تاريخ البشرية,إستمر لقرن وإثنان وثلاثون سنة )1830-1962( عانىَ الشعب من ويلاته و تعرض إلى جرائم وحشية من قمع و إعتقال و قتل وتهجير و سَلب لممتلكاته، وسخر المحتل الفرنسي منذ أن وطأت أقدامه أرض الجزائر كل ما بوسعه من الوسائل لطمس الهوية الجزائرية. ولكن ظَلَ الشعب الجزائري صامداً ولم يستسلم للأمر الواقع وواجه الغزو الفرنسي من خلال مقاومة شعبية متواصلة لأكثر من سبعين سنة تحت قيادة أبنائه الأشاوس بقيادة الأمير عبد القادر في الغرب الجزائري و الباي أحمد في شرقه و في كل ربوع الوطن على غرار مقاومة المقراني و الزعاطشة و بوعمامة و التوراق و (لالة فاطمة نسومر) و أصّر على الحفاظ على ثقافته و لغته و تقاليده بالرغم من ثقل التضحيات والمعاناة، وكان لنهاية الحرب العالمية الأولى وقعا على الشعب الجزائري التوّاق للحرية حيث كثف من نشاطه السياسي لانتزاع الحرية والإستقلال كسائر شعوب العالم وبادر أبناؤه لتأسيس أحزاب و منظمات و جمعيات وطنية في إطار ما يعرف بالحركة الوطنية بمختلف توجهاتها مطالبة بالإعتراف و إحترام الهوية الوطنية وتمكين الجزائريين من حقوقهم السياسية و المدنية.
إن مجازر 08 آيار1945 التي إرتكبتها السلطات الإستعمارية في حق الشعب الجزائري والتي راح ضحيتها 45 ألف مواطن جزائري, رسخت قناعة لدى قيادات الحركة الوطنية أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها المحتل ومنذ تلك اللحظة بدأ التحضير والأستعداد للثورة المسلحة وكُلّلّت هذه المجهودات ببيان أول نوفمبر إيذاناً بإندلاع الثورة التحريرية المجيدة في الفاتح من شهر تشرين الثاني من العام 1954 تحت قيادة جبهة التحرير وجيش التحرير الوطنيين, و التي كان من أهدافها الأساسية إستعادة السيادة الوطنية كاملة غير منقوصة و الإستقلال الوطني. و منذ الإعلان عن إنطلاق الثورة التحريرية بدأ حشد الدعم السياسي و الدبلوماسي و المادي لها و نجحت قيادة الثورة من كسب إعتراف العديد من الدول الشقيقة و الصديقة بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية و بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره. و كان العراق الشقيق من أول الدول والشعوب التي إحتضنت الثورة الجزائرية بفتح مكتب لجبهة التحرير الوطني ببغداد و مَدْ كل أشكال المساندة و التضامن للشعب الجزائري في كفاحه ضد الإستعمار الفرنسي الغاشم, كما كان العراق من أول الدول التي إعترفت بالحكومة الجزائرية المؤقتة فضلا عن المساهمة القيمة في عملية البناء و التشييد بعد الإستقلال من خلال البعثات الطبية والمهنية و التعليمية التي ساهمت في تكوين الإطارات الأولى للجزائر المستقلة.
وبعد كفاح بطولي دام سبع سنوات و نصف ضد أعتى القوات العالمية المدعومة من حلف الشمال الأطلسي و بعد تضحيات جِسَام إستعادت الجزائر سيادتها الكاملة و أعلنت إستقلالها في الخامس من شهر يوليو العام 1962. وغداة الإستقلال باشرت الجزائر مرحلة البناء الوطني لأستكمال سيادتها بتحقيق التنمية الشاملة ومحو مخلفات الإستعمار وتلبية طموحات الشعب الجزائري بعد عقود من الحرمان جراء السياسات العنصرية للإستعمار الغاشم, ووفاءً لرصيدها التأريخي في مقاومة الإحتلال الفرنسي الظالم , وظفت الجزائر ثقلها الثوري ودبلوماسيتها في الدفاع عن القضايا العادلة في المحافل الدولية و الإقليمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية,و قدمت مختلف أنواع الدعم و المساندة للحركات التحررية عبر العالم و كانت الجزائر قِبلَة الثوار و الأحرار و كان لها الفضل في حصول العديد من الدول التي كانت تحت وطأة الإستعمار على إستقلالها عبر تمكينها من حقها في تقرير المصير كما لعبت الجزائر دوراً محورياً في الإدانة والقضاء على نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا و عُرِفَ عن الجزائر نظالها المستميت من أجل إقامة نظام دولي إقتصادي جديد عادل و متوازن في حق الشعوب بإستغلال ثرواتها الطبيعية.
أما بخصوص القضية الفلسطينية فهي ركن و مبدأ صلب في السياسة الخارجية للجزائر بل أصبحت أم القضايا, و لازالت الجزائر تقدم كل أنواع الدعم إلى غاية تحرير آخر مستعمرة في إفريقيا و لن يهدأ بالها حتى يَستَرد الشعب الصحراوي الشقيق حقه المسلوب و يخرج من براثن الإحتلال المُرْ.
وإحتراماً لسيادة الدول الأخرى فإن الجزائر حرصت على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول حيث أصبح ثابتة من ثوابت سياستها الخارجية و لم تَحِد عنه بالرغم من كل الظروف. كما تدافع الجزائر في كل المناسبات على ضرورة اللجوء إلى الطرق السلمية في حل النزاعات و إحترام الشرعية و القانون الدوليين. وفي السنوات الأخيرة ما فتئت الجزائر تلفت إنتباه المجتمع الدولي حول خطورة الإرهاب وعن طبيعته العابرة للحدود إنطلاقاً من جهودها المُضنية و تجربتها الطويلة في محاربته خاصة على المستوى الفكري من خلال إصلاحات عميقة في المنظومة التربوية و سعيها للتصدي للجريمة المنظمة و شبكات الإتجار بالسلاح والمخدرات والبشر، إضافة إلى مرافعتها للحد من الأزمات البيئية الناجمة عن التَغيّر المناخي و العمل على بلوغ أهداف التنمية المستدامة, ناهيك عن مساعيها في ترقية ثقافة السلم و الحوار وقيم التسامح و التعايش السلمي و نبذ العنف و الكراهية, حيث كرست هيئة الأمم المتحدة و بمبادرة من الجزائر يوم 16 آيار من كل عام يوماً عالمياً للعيش معاً بسلام.
إن الذكرى الستينية لإستقلال الجزائر تأتي قي ظرف إستثنائي، فعلى المستوى الداخلي تشهد البلاد نقلة نوعية في كل المجالات, و تأتي في مقدمتها مبادرة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لِلَمْ الشمل وتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة التهديدات مهما كان نوعها أو مصدرها وفي الشق الإقتصادي العمل على تنويع صادراتها وتحفيز الاستثمار بتقديم تسهيلات واسعة وضمانات من ِشأنها إعطاء دفع جديد لجلب إستثمارات وطنية و أجنبية جديدة لإنعاش الٌإقتصاد الوطني, تضمنها قانون الإستثمار الجديد. كما أن السلطات الجزائرية العليا حريصة على تحسين مستوى المعيشة والقدرة الشرائية لفئات واسعة من المجتمع الجزائري عبر وضع برنامج دعم إجتماعي طموح من خلال التحويلات الإجتماعية المعتبرة ، حيث و لأول مرة منذ الإستقلال تم تخصيص منحة للعاطلين عن العمل مع إعطاء أولوية لقطاع السكن لإنجاز ألاف من الوحدات السكنية بمختلف الصيغ و تشجيع فئة الشباب على الإندماج في سوق العمل من خلال مرافقته في إنشاء مؤسسات صغيرة و متوسطة.
كما تتزامن هذه الإحتفاليات مع إحتضان الجزائر للنسخة التاسعة عشر من ألعاب البحر الأبيض المتوسط " وهران 2022 " بمشاركة 3600 رياضي من 26 دولة, حيث سخرت السلطات الجزائرية كل الإمكانيات البشرية و المادية لإنجاح هذا الحدث الرياضي الهام,الذي يساهم في ترسيخ ثقافة السلم والتعايش بين شعوب البحر الأبيض المتوسط . هذا و تعتزم الجزائر إستضافة القمة المقبلة لجامعة الدول العربية في الفاتح من تشرين الثاني المقبل الذي يصادف ذكرى إندلاع الثورة التحريرية الجزائرية المجيدة , قمة يَعول عليها كثيراً لترتيب البيت وَلَم الشمل العربي لمجابهة التحديات المختلفة التي تواجه وطننا العربي.
و بهذه المناسبة السعيدة , ستنظم سفارة الجزائر ببغداد و على شرف أعضاء الجالية الوطنية المقيمة في العراق أحفالية متنوعة لإحياء هذه الذكرى الغالية لتوطيد صلتهم بالبلد الأم و غرس القيم الوطنية النبيلة في نفوس الشباب و الأجيال الصاعدة خاصة و حثهم على الحفاظ على رسالة الشهداء و الإعتزاز بتأريخهم و إنتمائهم إلى ثورة المليون ونصف المليون شهيد.
سفير الجزائــر ببغــداد
أقرأ ايضاً
- أسطورة الشعب المختار والوطن الموعود
- موقف السيد السيستاني من سرقة أموال الشعب بعنوان مجهول المالك؟!
- دموع كريستيانو رونالدو.. رسالة بليغة !