كنت قد عدت قبل ساعة أو أقل من جولة في منطقة أبسط ما يقال عنها (بائسة) وقد يخالفني القارئ الكريم الرأي اذا وفقه الله للوصول الى هناك حيث مجاهل افريقيا ، جلست استمع لقصيدة شعبية لشاعر من شعراء الشعر الشعبي عاش وترعرع في مناطق تعودت الحرمان وارتدت العوز والفقر جلباباً ، بدأ الشاعر وكأنه يعاتب المسؤولين ولكن بدرجة حرارية عالية نسبياً ، العتب المطروح هو: عدم تفقد المسؤولين بمواكبهم (الرنانة) تلك الاحياء البائسة الفقيرة (أنا اتحدث عن مدينة كربلاء) ، انتهى الشاعر من قصيدته واخذت قلمي وبدأت الكتابة تأملت في المفردات التي ساقها شاعرنا وهي عبارة عن حمم بركانية قذف بها باتجاه المسؤولين ، فكرت بأمر قد لا يعجب الفقراء الامر مفاده لماذا يلقى اللوم على المسؤولين دائماً؟ لماذا لا نختلق لهم عذراً فهم بشر كما نحن (وان كان هناك الاختلاف فقط بالكشخة) قلت: العذر المناسب ان المسؤوليات الثقيلة الملقاة على عاتقهم والتي اثقلت كاهلهم ، فهم لا يجدون من الوقت ما يكفي لاضاعته في تفقد مناطق (المغضوب عليهم) الذين تركوا ارض الاباء والأجداد في محافظاتهم وجاءوا هنا (وهذا العمل يشبه ماصنعه اليهود ) . ضحك صاحبي الذي كان يسمع مني ما اكتبه وقال : ان زيارة الفقراء والمحرومين وتفقدهم من سيرة الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم وامير المؤمنين علي عليه السلام،وانت بهذا لا تعتذر عنهم بل تسقطهم في اعين الناس ، عرفت ان هذا العذر غير مناسب خاطبت صديقي ما العذر المناسب يا عزيزي ؟ سكت صاحبي وطلب مني التأمل كي اجد عذراً مناسباً ، وبعد وقت ليس بالقصير عجزت ان اعتذر عنهم تركت القلم .
وفي اليوم التالي طلب مني احد الاخوة ان اقدم مساعدة الى عائلة من عوائل الايتام (مساعدة تبرع بها احد المحسنيين ) في واحد من اكثر احياء العالم بؤساً ، حيث الطريق الذي لم يشمله التبليط والروائح الكريهة والغبار المتصاعد من كل مكان وكأنه في سباق مع دخان المزابل التي تحرقها البلدية و(الطسات) التي هي عبارة عن حفر كبيرة جدا احرجتني كثيراً مع صديقي صاحب السيارة (والذي كان سعيداً لمساهمته في ايصال مساعدة لعائلة ايتام) هناك وفي الطريق اكتشفت العذر المناسب للمسؤولين وقررت بعد العودة الى البيت ان اكتبه في عمودي كي يعرف الشاعر وكل من يتصيد بالماء العكر ويتربص بالاخوة المسؤولين انه لا يوجد مانع يمنعهم من زيارة تلك الاحياء لولا ضرورة ملحة قاهرة تمنعهم من الوصول الى هناك لمد اليد الحانية فهم اناس عاهدوا الفقراء والبائسين ان يأتوا لهم بالجنة بعد فوزهم بالانتخابات فكيف بزيارة بسيطة من اجل الاطلاع على احوالهم وهذا من ابسط حقوقهم !!! لا اريد الاطالة عليكم فأنتم تنتظرون العذر حتى لا تتكلموا ثانية عن المسؤولين وترتكبوا الحرام باغتيابهم (لاسامح الله) العذر يا سادتي الكرام واضح جداً ولا يحتاج احد ان يتعب نفسه كثيراً كي يكتشفه فخلال جولتي على مناطق محرومة فهمت الامر ببساطة وتعجبت كيف لم يفهم هذا الشاعر الامر وراح يكيل التهم للمسؤولين؟!! كل ما في الامر ان تلك المناطق فيها الكثير من الحيوانات كالكلاب السائبة التي تفوق عدد السكان والحمير التي تعمل اكثر منّا ووصول أي مسؤول الى تلك المناطق سوف يصاب بانفلونزا الحمير وهذا فيه خطورة على العملية السياسية وسوف يعرقل تقديم الخدمات لابناء الشعب والجميع لا يرضى بذلك فالنتيجة نحن جميعاً نرضى بهذا العذر وان كان من يذهب الى تلك المناطق يلفه العجب ولا يصدق مايراه ولا يمكن ان يتصور احد ان هذه المناطق صالحة لسكن الحيوانات فضلاً عن البشر ، لم اتمكن ان الجم لساني فسألت المرأة التي هي ام لثلاثة ايتام لماذا تسكنون هنا ؟ تحسرت بعد ان رات كيف اني تجنبت شرب الماء الذي قدمته لي رغم العطش الواضح على وجهي ، ردت: نحن نعيش على صدقات المؤسسات والخيرين وانا احاول ان يكمل اولادي الايتام دراستهم ولا نملك راتباً ثابتاً ...ألجمت المرأة لساني بهذا الجواب نهضت وانا اسأل الله ان تقدم الدولة لقاحاً لمكافحة انفلونزا (الحمير) حتى يتمكن الاخوة من المسؤولين الوصول الى تلك المناطق دون ضرر وتقديم يد المساعدة للذين تعبوا من اجل ان تصلوا انتم الى تلك الكراسي ، ووقى الله الجميع شر انفلونزا الحمير .
ثائر الاسدي