بقلم: علي حسين
سنُصاب بالصدمة أنا وحضرتك عزيزي القارئ، لو أننا سمعنا أو قرأنا أنّ أحد السادة المسؤولين الحاليين والسابقين ومن سبقهم، قضى شطراً من الليل وهو يجلس أمام قاضي التحقيق يسأله من أين لك هذا؟ مثل هذا السؤال ممنوع في بلاد الرافدين.
إذا كان هناك ما يجب أن نعرفه من الاخبار، فهو رئيسة المجر كاتالين نوفاك التي قدمت استقالتها على خلفية غضب المعارضة ضد قرارها بالعفو عن رجل متورط في قضية تحرّش بأطفال. وقد اعترفت الرئيسة وهي تقدم استقالتها بانها: "ارتكبت خطأ".
وفي بلاد أخرى، لم يستطع رئيس وزراء سابق مثل عمران خان، أن يعترض على قرار القضاء بحبسه بتهم تتعلق بهدايا تلقتها زوجته من إحدى الدول. وقبل هذا وذاك أتمنى عليك قراءة الخبر الذي يقول إن الحزب الذي يرأسه عمران خان فاز بأكثرية مقاعد مجلس النواب الباكستاني قبل أيام.
هل نستطيع أنا وأنت عزيزي القارئ، أن نسأل نائباً أو سياسياً او مسؤولاً كبيراً: من أين لكم الأموال التي تمكنكم من افتتاح قنوات تلفزيونية، وشراء أحدث السيارات وأغلى العقارات؟ مجرد سؤال بريء ولوجه الله، لأنني أعرف حتماً أن قيمة نوابنا أو مسؤولينا، أهم بكثير من قيمة الرئيسة المجرية، فهم "تكنوقراط"، من طراز محمود الحسن.
منذ أن تشكل مجلس النواب عام 2005 وبعد أن تم الإعلان عن تشكيل أول حكومة برئاسة السيد أياد علاوي وبعدها توالت الحكومات ونوابنا ومعهم العديد من المسؤولين حريصون على ألّا يضيّعوا دقيقة واحدة من وقتهم الثمين، يتنقلون مثل "الفراشة" من فضائية إلى فضائية، يشكون حال العراق الذي نُهب، وكنّا قد عشنا مع معظمهم فاصلاً من المناحة و"اللطم" على الخدود على حال الدستور، لكنهم يصمتون ويرفعون شعار "لا أرى .. لا أسمع .. لا أتكلم" عندما يتعلق الأمر بنهب أموال العراق، لأن الصمت كان مدفوعاً، مقاولات ومناقصات وأموال سائلة بالدولار حصراً.
عموماً لا نملك إلا أن نهنّئ معظم الذين حصلوا على صفقات، وأتمنى أن لا ينزعجوا والشعب يريد أن يطمئن عليهم ويسألهم من أين لهم كل الأموال؟.
يحدثنا صاحب الكتاب الظريف "الولد الشقي" الكاتب الراحل محمود السعدني، في أحد فصول كتابه الممتع هذا، عن المسؤول الذي يصرّ على أن يعيش المواطن في العصر الحميري أغلب حياته في ظلّ الوهم وفي ظلّ الخديعة، ويعيش في انتظار الوهم الذي سيتحقق بفضل قيادة وتوجيهات وتعليمات وإرشادات وتخطيطات المسؤول، الذي بسببه تتحول الديمقراطية إلى نكتة.