- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عفوٌ .. عن ناهبي المال العام؟
بقلم: جاسم الحلفي
في جهد يثير الدهشة والغضب، يسعى مجلس النواب لتضمين مشروع قانون العفو العام فقرة تتيح العفو عن ناهبي المال العام.
هذه المسعى لا يخالف مبادئ العدالة فقط، بل يشكل توجهاً جلياً لترسيخ الفساد كجزء من النظام السياسي والاقتصادي.
فالمستفيدون من العفو المقترح ليسوا سوى طغمة فاسدة ذات أذرع طفيلية بنت ثرواتها على استباحة المال العام، وحولت مؤسسات الدولة إلى أدوات تخدم مصالحها الخاصة. وان هذه الفئات التي بنت ثرواتها على حساب الشعب، تستغل القانون لتكريس مكاسبها غير المشروعة، في مشهد يجعل من العدالة أداة لتبرير الفساد، ويمنح الشرعية لمن يجرمون بحق الشعب.
وان إقرار فقرة كهذه يعني تقويض مبدأ الردع القانوني، فتصبح القوانين أدوات انتقائية لحماية الفاسدين بدلاً من محاسبتهم. كيف يمكن للمواطن اذن ان يحترم القانون ما دام يُستغل لخدمة المتنفذين؟ فالرسالة التي تحملها هذه الخطوة واضحة: النزاهة لا مكان لها، بينما يجد الفساد الحصانة والمكافأة.
ان فقرة العفو عن ناهبي المال العام إعلان صريح لانتصار الفساد على العدالة، ولنظام يحمي السراق ويعاقب النزيهين.
لا يعكس هذا القرار سوى الانحياز الواضح لفئة صغيرة من المتنفذين، على حساب الأغلبية الساحقة من الكادحين والشباب العاطلين عن العمل. وفي الوقت الذي يُعفى فيه عمن يسرقون موارد البلاد، يلاحق القانون الفقراء لأتفه الأسباب. إنه تكريس فج للتفاوت الطبقي، حيث يدفع الشعب ثمن القرارات التي تُتخذ لخدمة الفاسدين.
ويعمق منح العفو المقترح للفاسدين الفجوة بين الشعب ومؤسسات الحكم وينسف ما تبقى من ثقة بها. وكيف يمكن للمواطن أن يثق بدولة تكافئ من ينهب المال العام، بينما يرزح هو تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية؟ فهذه الخطوة لا تهدد فقط قضية النزاهة واحترام القانون، بل تهدم ما تبقى من جسور الثقة بين المواطن والدولة، وتضعف شرعية مؤسساتها.
ان مواجهة هذا النهج تتطلب وعياً شعبياً وإرادة جماعية لتغيير النظام الذي يسمح بمثل هذه القرارات. والحل لا يكمن فقط في رفض مثل هذا العفو، بل وفي بناء حركة تطالب بإعادة هيكلة الدولة، لتكون خادمةً للشعب وحاميةً للعدالة.
علما ان العفو عن ناهبي المال العام لن يكون إجراءً قانونياً بسيطاً. بل هو خطوة خطيرة تعزز قوة الفساد وتعمق أزمات الدولة. وان مقاومة هذا التوجه ليست خياراً، بل ضرورة تفرضها مصلحة الشعب ومستقبل البلاد.
إن النضال من أجل دولة العدالة والمحاسبة هو الطريق الوحيد نحو استعادة ثقة المواطن واحراز التغيير الحقيقي.