برباطة جأش أمسكت سيدة لبنانية بـ "الرفش" او ما يسمى عندنا في العراق بـ"الكرك" واخذت تدفن جثتي اباها واخاها صابرة محتسبة بعد ان قل تواجد الرجال في المقبرة وكثرة الجثث التي تساقطت وما زالت تتساقط يوميا بفعل العمليات الوحشية الاجرامية التي ينفذها جيش الكيان الاسرائيلي على المدنيين الآمنين ليبطش بهم وهم العزل من كل شيء الا الملابس التي تستر اجسادهم، ولم يفرق بين طفل رضيع او شيخ مقعد او عجوز لا تكاد تستطيع السير، فهو يعتمد في عدوانه الغاشم مبدأ الارض المحروقة، فلا يترك حرثا او نسلا الا واحرقه، لكن هذه السيدة التي تأست بالعقيلة زينب في صبرها وجلدها ارادة ان تعطي للمعتدين ولكل الاحرار في العالم درسا مفاده ان الرجل اذا ذهب فهناك إمرأة تنجز ما تركه ورحل شهيدا عند الله.
قصة عائلة
تروي السيدة "سكينة حيدر وهبي" لوكالة نون الخبرية ما جرى لعائلتها بالقول ان " والدي يوم استشهاده كان يبلغ من العمر (62) عاما، واخي "محمـد حيدر وهبي" كان عمره (37) عاما وهو اعزب، وفي الاول من شهر تشرين الاول توجهوا الى البيت في مدينة النبطية بعد ان انهوا عملهم اليومي وكانت الطائرات المسيرة تحوم حول المنطقة، وهم يسكنون بمفردهم في البناية المكونة من (3) طبقات واستهدفتهم طائرات العدو الاسرائيلي باربع صواريخ موجهة ودمرت البناية بالكامل واستشهدوا على الفور، وفي منتصف الليلة الثانية علمنا باستشهادهم، وفجرا يوم الثاني من تشرين الثاني توجهت انا وزوجي من منطقة نزوحنا حيث نزح اغلب الناس من المدينة الا الذي لديه عمل او رفض النزوح مثل والدي واخي، ووصلنا الى المستشفى حيث توجد جثته في ثلاجة الموتى، ووقفت على الجثة وتفحصتها فوجدتها سليمة لم تمزق او تهشم نتيجة القصف، وسألت على جثة اخي فتبين انهم لا يعلون ان اخي كان مع والدي، فعدت الى البناية المقصوفة التي كانا يسكناها، ولم ارى اي احد يبحث بين الانقاض على شهداء او جرحى، وكان الوضع صعبا لان التواجد لإخلاء الجرحى او الشهداء كان خطرا، فالعدو الاسرائيلي الحاقد كان يسقط على المنطقة التي يقصفها بعد مدة قصيرة قنابل عنقودية تقتل كل من يتواجد على ارض الحادث، وليمنع المسعفين من البحث عن الناجين من المصابين والجرحى لإخلائهم واسعافهم، وليمنع كذلك اخلاء لاي جثة شهيد".
دفنتهم بيديها
وتكمل السيدة النبطية حكاية عائلتها وهي تتحسر على ما مر عليها وعليهم وتقول" تطلب أمر العثور على جثة اخي واخراجها وقتا، للاتفاق واقناع المعنيين بالامر لخطورة الموقف، وبعدها بدأت عمليات البحث وعثروا على الجثة واستطاعوا اخراجها من بين الانقاض والكتل الكونكريتية وجاؤوا به الى المستشفى ليضعوه في ثلاجة الموتى، وبسبب المخاطر التي تحيط بنا قررنا تأجيل دفن الجثة الى اليوم الرابع من الشهر، وعندما خرجنا لدفن جثة اخي وجدنا (6) جثث اخرى لشهداء يجب مواراتهم الثرى بنفس الوقت، وكان الوضع الامني سيء جدا، حيث تحوم الطائرات المسيرة لجيش الكيان الاسرائيلي بطيران منخفض حولنا، وتواجد في ساعة الدفن قلة قليلة من الرجال في مقبرة روضة الصالحين في مدينة النبطية لا تكفي للحفر وادخال الجثث في القبور والدفن بعدها، ونفس المقبرة تعرضت الى القصف سابقا، فاضطر الرجال المتواجدين الى حفر ستة قبور للشهداء وهو امر استنزف قواهم البدنية، ومن شدة التعب صعب عليهم نقل الجثث من المكان الذي وضعوها فيه الى القبور التي حفروها، فما كان مني الا ان احمل جثمان اخي معهم واساعدهم لنصل الى مكان القبر والدفن، وفي ساعتها كان معي زوجي واخي الثاني وشاركوا في حمل الجثث الباقية للشهداء ودفنها، ولا شعوريا شاركت في حمل جثة اخي وانزالها الى القبر معهم واساعدهم، وعندما شاهدت اخي الاصغر ينهار ويبكي ويترك دفع التراب على القبر لدفن الجثة، امسكت بـ "الرفش" لاكمل دفن جثة اخي وابي وقبورهم بالتراب لاني شاهدت الانهاك عليهم ولا يمكن ان اقف متفرجة عليهم وانا ابنة الحاج حيدر الصلب الشامخ، وقلت لهم لسنا من نضعف ليفرح العدو بضعفنا بل نبقى اقوياء، لاسيما اني شعرت بأن الوضع الامني مخيف وقد يتعرض اي شخص متواجد معنا او كل الموجودين الى القصف والخطر ولتفادي وقوع مجزرة او يرتكبها عدو لا يعرف الرحمة والانسانية ولا يفرق بين هدف عسكري او اشخاص يدفنون ميت بمقبرة، وعزمت على اختزال الوقت وانهاء المهمة لسلامة المشاركين بالتشييع والدفن".
خطر قائم
لم يكملوا الدفن بالكامل لان تنبيها جائهم بضرورة الانصراف بسرعة لان الخطر ما زال قائما عليهم هكذا تصف "سكينة" الاجواء التي كانوا فيها وتضيف" ابلغنا مختار النبطية "حسن نزار جابر" ان الوضع خطر جدا وعليكم المغادرة وهو ومن بقي معه سيكملون الدفن، لان الطائرات المسيرة تحوم حولنا وهذا يعني ان الطيران الحربي سيقصف المنطقة، كما حصل سابقا وباكثر من مدينة، وما افتخر به ان والدي واخي كانت علاقتهما بالامام الحسين (عليه السلام) وقضيته روحية وعقائدية وهم خدام حقيقيون لابي عبد الله وكثيرا ما شاهد والدي رؤيا بالرسول الكريم او الائمة الاطهار، وكان معروف عن والدي انه متدين وملتزم وقريب من الله عز وجل، وحضرا في زيارة الاربعين الماضية وطلبا مني ان ادعو لهم بنيل الشهادة كما دعوا هم لانفسهم بنيلها، وفعلا دعوت لهم بنيل الشهادة لانهما يستحقانها وفيها حسن الآخرة، وكان لهم ما اردوا من الله واستجيب الدعاء، وقبل شهرين رأى والدي رؤيا ان الامام المهدي (عليه السلام) اركبه خلفه على فرسه وان امامهم بحيرة طبريا واخبره الامام انه سيفوت عليها وهو بعمر (63) عاما، وعندما اخبره ابي ان عمره (62) عاما وبضعة اشهر، اخبره الامام ان عمره في التقويم الهجري (63) وهو من جنده ومن العابرين الى القدس، واخبرنا حينها انها رؤيا صالحة وسأنال الشهادة منتصرا".
فقد الاحبة
وعن عدد الاحبة والاقارب الذين فقدتم جراء الجرائم الوحشية التي يرتكبها العدو الاسرائيلي اشارت الى ان" حوالي (200) شخص استشهدوا نتيجة القصف منهم مئة من النبطية من معارفي واقاربي واحبابي، ومئة آخرين من مناطق اخرى، وعائلات باكملها استشهدت بينهم الكثير من النساء والاطفال والشيوخ والعجائز وطلاب مدارس وكسبة، واستهدفت مدارس نزحت اليها عائلات من القصف، ودمرت مراكز صحية كثيرة والهيئة الصحية التي تسعف الناس استهدفت مرات عدة ومستشفيات، وقصفت مراكز للدفاع المدني، واصيبت سيارات اسعاف بالقصف، ولم تسلم الجوامع من القصف ومنها جامع النبطية وجامع كفر تبنيت وجوامع في بيروت، كما استهدف محيط كنائس في مار مخايل والحدث، وجميع تلك المناطق لا يوجد فيها قواعد او مطارات عسكرية او جيوش او قوات مسلحة لا على الارض أو تحتها بل كلها مناطق مدنية سكنية، لان المقاومين موجودين على خطوط التماس والنقطة صفر مع العدو الذي يعرف ذلك يقينا".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
أقرأ ايضاً
- قدمت لهم (550) الف وجبة طعام :العتبة الحسينية تأوي (8300) وافد من العائلات اللبنانية في كربلاء المقدسة
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة