بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
الأسرة نواة للمجتمع، وهي الكيان الإنساني الأول الذي يرعى الفرد منذ قدومه للحياة في هذا الكون، لأجل ذلك تتدخل النظم القانونية، ممثلة بالدولة، في حماية هذه الخلية الاجتماعية وتوفير سلم أفرادها وأمانهم، وتتجلى تلك الحماية عند اعتبار إهمال الأسرة جريمة تنص عليها القوانين الجزائية، كشكل من أشكال الحماية الجنائية لهذا الكيان المهم، ومن أهم الصور الجرمية لهذه الجريمة هي الإهمال المادي والإهمال المعنوي، إضافة إلى أهم الصور التي يشهدها الواقع وهي جريمة عدم الإنفاق على الأسرة وتقابل كل صورة جرمية عقوبة زجرية تنص عليها التشريعات الجزائية التي تضع الأحكام القانونية لجريمة الإهمال الأسري.
في العراق، فان المشرع العراقي وفي المادة (384) من قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 2024 نص على بعض صور هذه الجريمة وهي عدم الإنفاق على الزوجة أو أحد الأصول أو الفروع كذلك في حال عدم دفع أجرة الحضانة أو الرضاعة أو السكن في حال صدور حكم قضائي واجب النفاذ والامتناع عن تنفيذ الحكم، وقد نص قانون التعديل المذكور آنفا على صورة جديدة من صور إهمال الأسرة وهي جريمة عقوق الوالدين والتي تسري أحكامها على كل من قام بالإهانة أو الصياح أو التبرؤ أو الترك بحق والديه، وهذا النص يهدف الى الحفاظ على القيمة الابوية العليا للأسرة من أي إهانة أو ترك لا يتواءم مع الفطرة الإنسانية السليمة التي جبلت على طاعة الوالدين وبرهما.
ورغم هذه الرعاية القانونية التي أولاها المشرع العراقي للأسرة إلا أن النصوص ما زالت قاصرة عن مواكبة الحماية التي توفرها بقية التشريعات القانونية المقارنة للأسرة ومنها القانون الجنائي المغربي، اذا عاقب الأب او الأم إذا ما ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر مدة تزيد عن شهرين وتملص عن كل أو بعض واجباته المعنوية أو المادية الناشئة عن الولاية أو الوصاية أو الحضانة، كذلك عاقب المشرع المغربي الزوج إذا ترك عمداً لأكثر من شهرين دون موجب قاهر زوجته وهو يعلم انها حامل. وكان على المشرع العراقي وهو في معرض اصدار تعديل لقانون العقوبات ان يشمل بالتجريم جميع الصور الجرمية لإهمال الأسرة وأن لا يكتفي ببعضها ويستفيد من تجارب بقية الدول في ما نصت عليه قوانينها العقابية من أجل ضمان أن تكون الأسرة العراقية مبنية على أسس تربوية وأخلاقية وقيمية صحيحة باعتبارها الأساس الذي ينبني عليه المجتمع ويستند إليه.