من نظرة على موكبه وحركاته وكلامه تشعر انه عسكري فكل شيء مرتب، ولكل خدمة موعد، يخطط من العام الى العام الذي يليه لينصب موكبا خدميا لزوار الحسين المارين بمنطقة سكناه حيث يقع سير الزائرين عليها، واجه مواقف خطرة ومميتة في عمله العسكري حتى انه حوصر مع جنوده في الصقلاوية مئة يوم، وفك الجيش عنه الحصار في الخامس من محرم واقام عزاء في السابع منه، وخرج منتصرا بفضل عقيدته بقضية الامام الحسين (عليه السلام) واصحابه في يوم الطف، انه ضابط عراقي وخادم حسيني.
مضائف ومدارس
يتحدث الضابط في الجيش العراقي المقدم "مصطفى عبد الهادي محسن" صاحب موكب "ام البنين" في ناظم كرمة حسن وتحديدا في منطقة عشائر الرحمة احدى عشائر بني خيكان لوكالة نون الخبرية ان" قضية الامام الحسين (عليه السلام) فيها هاجس يدفعك للعمل والخدمة واحياء الشعائر، وكيف تجلس متفرجا وانت ابن العشائر وملايين الزائرين يمرون من امام باب دارك، وانا ابن شيخ عام تربيت على مدارس المضيف والدلة والكرم وتخرجنا رجالا منها، ومنذ مئات السنين مجالسنا ودواويننا عامرة بشعائر الحسين وحتى في زمن المنع والتضييق الامني لم نترك احياء ذكره وشعائره، لاننا توارثناها من اجدادنا وآبائنا وتطورت ونمت بعد زوال النظام المباد، بل حتى في زمن العقوبات الاقتصادية "الحصار" كان رجالنا يقدمون الخدمات والبذل والطعام في شعائر محرم، وتوفى عدد منهم فتصدت نسائهم رغم ضيق الحال وواصلت مسيرتهم الحسينية، وانا تخصصت باقامة الشعائر في يوم السابع من محرم احياءً لدور ابي الفضل العباس وهو امر سرت عليه وسيسير عليه ابنائي".
اسم ام البنين
يصف "محسن" مواقف عشيرته وباقي العشائر في التصدي لخدمة الزائرين الذي خرجوا بالملايين بعد سقوط الطاغية المقبور في العام (2003) بقوله" من طباع ابناء العشائر اكرام الضيف القادم اليه، فكيف اذا كان الضيف زائرا للحسين، فبدأنا بمواكب متنقلة حيث نضع مختلف انواع الطعام والشراب بالسيارات ونقطع طرقا طويلة حتى نصل الى قضاء الجبايش ونوزعها على الزوار، ونركز على المناطق التي لا توجد فيها خدمة، ثم نرسل سيارات اخرى قبل حلول وقت المغرب فنجلب عدد كبير من الزائرين ليبيتوا في مضائف عشائرنا ونقدم لهم مختلف الخدمات، ومنهم عراقيين وآخرين من دول الخليج وايرانيين، واصبح الكثير منهم اصدقاء لنا من الاحساء والاحواز والمحمرة، كما تكونت لنا صداقات مع اشخاص عراقيين وغير عراقيين مقيمين في دول اوروبا، ثم تجمعت العشيرة ونمت فكرة اقامو موكب حسيني ثابت ودائم، وتأسس الموكب لكن حصل اختلاف على تحديد اسمه لان اسماء كثيرة طرحت، وصار الاتفاق على اجراء قرعة لتحديد اسم الموكب حتى يكون بعدالة بين الجميع ووضعت اوراق مكتوب عليها الاسماء المتقرحة في اناء، والامر الغريب ان الاسم الذي يظهر في سحب الاوراق لثلاث مرات هو اسم "ام البنين" فاعتمد اسم الموكب باسم السيدة الطاهرة "ام البنين"، وبدأ عملنا باستضافة الزوار في البيوت كل يوم في بيت لاحد ابناء العشيرة وكلا حسب امكانيته، وبعض الاحيان يتكفل شخصين باطعامهم لتخفيف العبء المادي عليهم".
نصب موكب
ويسترسل بكلامه قائلا " في العام (2009) نصبنا خيمة وخصصنا مخزن لمواد الموكب ومخزن مبرد لخزن المواد الغذائية، واستمرت الخدمة الى العام الماضي، حيث قررنا ان نفتح صندوق تبرعات للموكب وحددنا على المتزوج ممن لديه راتب مبلغ (25) الف دينار شهريا، والعازب الاجير مبلغ (10) الاف دينار شهريا، وفعلا جمعنا في هذا العام حوالي (8) ملايين دينار، وتسوقنا المواد الطبيعية التي نصنع منها العصير الطبيعي مثل الزبيب والفاكهة والرقي والنومي بصرة، كما اتفقنا مع مربي الجاموس لشراء اللبن منهم وبعد خلطه يقدم باردا للزائرين، ، وتساهم نسائنا بصنع الخبز طوال اليوم، ونشتري يوميا سيارة حوضية من السمك ونقوم بتقديمه في وجبة الغداء من الساعة التاسعة صباحا الى الساعة (1100) حسب مصطلحه العسكري اي الساعة الواحدة ظهرا مع الطرشي والخضرة والعمبة والرقي والطمامة المقلية والفاكهة والخبز الحار، ونشوي خلال مدة خدمتنا في ثمانية ايام حوالي (2000) سمكة مشوية، ونقدم في الفطور الصباحي حليب الدواب ولاكعك وبيض مسلوق وخبز حار من الساعة الثالثة فجرا الى الثامنة صباحا، كما نقدم الشاي والقهوة العربية بشكل مستمر طوال اليوم، وفي العشاء نقدم سندويجات كبدة الدجاج ومعها مشروبات غازية، ونستضيف المئات للمبيت في الموكب والمضيف".
الحسين والقتال
في صفحة اخرى من حياته يذكر محسن مواقف خطيرة مر بها مع جنوده الا انهم استلهموا صمود ابي عبد الله واصحابة فكتبت لهم النجاة ويصفها قائلا" انا مقاتل شاركت في كثير من المعارك ضد عصابات القاعدة في الانبار وبعدها ضد عضابات "داعش" الارهابية وتحرير المدن العراقية من سيطرتهم، وحوصرنا احد الايام في منطقة الجسر الياباني بالصقلاوية لاكثر من مئة يوم ومعي ضابطان وعشرون جنديا، واستمدينا العزم والثبات من الحسين فقاتلنا قتالا مستميتا طوال ووصل الحال بنا الى اكل الحشائش بعد ان نفذ الطعام الذي بعهدتنا، وشربنا الماء المالح، واكثر من مرة يصل خبر استشهادي لاهلي وكانوا على وشك نصب مجلس عزاء لي، وحان وقت شهر محرم ولاول مرة لم اقم شعائر يوم السابع من المحرم، فدعوت الله بقلب مستجير محزون بحق ابي الفضل العباس لانقاذنا، فصمدنا ولم نمكن العدو منا مستلهمين هذا الاصرار من الحسين واصحابه لحين فك الحصار عنا وخروجنا سالمين، وفي اليوم الخامس من محرم تمكنت قوة كبيرة بحجم لواء من تحريرنا وطرد الارهابيين، ونصبت عزاء ابي الفضل العباس في السابع من محرم".
قاسم الحلفي ــ ذي قار
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- تعرضوا للقتل والتشريد :عائلات موصلية تقيم موكبا حسينيا لخدمة زاور الاربعينية في كربلاء
- من فاكهة التين والبرتقال والموز والليمون والبطيخ : موكب يقدم عصائر طبيعية تطفئ ظمأ "المشاية" في اجواء الحر اللاهبة
- الام خادمة حسينية تعيش بكلى واحدة :عائلة كربلائية من تسعة افراد تدير موكبا حسينيا لخدمة الزائرين