تقترب أعداد الموظفين “الفضائيين” من المليون في عموم البلاد، بحسب اللجنة المالية النيابية، وما زال مصطلحها يتردد كثيرا داخل دوائر الدولة، برغم الإعلان عن إجراءات حكومية لمواجهة الظاهرة القائمة على التلاعب بمقدرات البلاد عبر توظيف الأفراد بلا دوام فعلي.
و”الفضائيون” مصطلح يشير إلى موظفين يدفعون كامل رواتبهم أو جزءا منها مقابل تغيبهم عن العمل، أو لأشخاص وهميين يتم تسجيلهم كموظفين يتقاضى المدراء رواتبهم سرا.
ويقول عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، إن “أعداد الموظفين الفضائيين ومزدوجي الرواتب أيضا كبيرة جدا، وهو قرابة 600 ألف موظف في دوائر الدولة العراقية، بمعزل عن إقليم كردستان الذي فيه أكثر من 300 ألف موظف فضائي يتقاضون رواتب شهرية، ولكنهم لا يلتحقون بالوظيفة، أما من يتقاضون أكثر من راتب فيصل عددهم إلى 250 ألف موظف”.
ويؤكد أن “الحكومة ومؤسساتها خلال السنوات الماضية أقرت بهذه المشكلة بعدما تم كشف الآلاف من هذه الفئة حتى بات يتحدث عن الأمر مسؤولين كبار في الدولة، ولكن الحكومة ليس لديها لغاية الآن قاعدة بيانات واضحة ودقيقة للموظفين حتى يتم كشف الزيادة التي يشكلها الفضائيين”.
ويعتبر كوجر، أن “مشكلة الفضائيين أو تعدد الرواتب مستمرة ولم تعالج لغاية الآن لحاجتها للحلول الحقيقية تضع أعداد الموظفين بشكل دقيق، فحكومة حيدر العبادي (2014-2018) كشفت وبشكل واضح عن وجود 50 ألف فضائي فقط في وزارة الدفاع وهو ما يستدعي متابعة الأمر وما وصلت إليه لغاية الآن خاصة مع استمرار التعيينات الجديدة في دوائر الدولة”.
وبالحديث عن الأرقام، فإن العراق يعد من بين أكبر الدول بأعداد الموظفين الحكوميين نسبة لمجمل القوى العاملة، بحسب تقرير نشرته مؤسسة “عراق المستقبل” المستقلة المعنية بالشؤون الاقتصادية في وقت سابق.
وقال رئيس المؤسسة منار العبيدي، في التقرير، إن “نسبة العاملين في القطاع الحكومي بالعراق بلغت 37 بالمئة بين مجموعة دول شملتها الدراسة، إذ يعتبر القطاع الحكومي الأكثر ضغطا على الموازنة العامة للدولة التي تذهب بمجملها كرواتب للموظفين، دون وجود إنتاج حقيقي يوازي هذه المصروفات العالية نتيجة عدم خلق بيئة استثمارية تساهم في تشجيع القطاع الخاص وتوفير فرص عمل من خلاله، الأمر الذي يزيد من الضغط على القطاع العام”.
يشار إلى أن قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات 2023 و2024 و2025 المنشور في العدد 4726 الصادر في 26 حزيران يونيو 2023 من جريدة الوقائع العراقية، قد ثبت عدد الموظفين في العراق عند أربعة ملايين و47 ألف موظف وموظفة، فيما حدد عدد موظفي إقليم كردستان بـ658 ألفا و189 موظفا وموظفة.
إلى ذلك، يوضح المختص في إدارة الأزمات الاقتصادية، علي الفريجي، أن “ظاهرة الفضائيين في دوائر الدولة أو ما يعرف اقتصاديا بالبطالة المقنعة تسببت بمشاكل كبيرة للخزينة المالية وتمثل فاتورة ثقيلة جدا على موازنة الدولة سنويا”.
ويشير الفريجي، إلى أن “تقديرات عدد موظفي الدولة تتحدث عن أربعة ملايين و300 ألف موظف وبأعلى الاحتمالات فالدولة تحتاج مليونا ونصف المليون موظف، أي بمعنى وجود فائض يقدر بأكثر من 60 بالمئة من الموجود نتيجة التوظيف الكمي والسلبي غير المنتج”.
ويلفت إلى أن “تكديس الموظفين بهذا الشكل له أمرين سلبيين، أولهما دفع الرواتب، والثاني يتمثل بعدم إنتاجيتهم وهذه خسائر متكررة ومتراكمة جراء هذا العدد نتيجة استهلاك أكثر من 72 بالمئة لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية”.
ويؤكد المختص في إدارة الأزمات الاقتصادية، أن “الفضائيين يمثلون أخطر أنواع البطالة في أي دولة لأنهم يأخذون الرواتب بلا أي عمل خدمي، وهذا الموضوع في العراق يمثل خطرا كبيرا لارتباطه بالأجندات السياسية التي توظف هذه الفئة بشكل مستمر مع عدم وجود بناء لاقتصاد حقيقي يستوعب القوى الباحثة عن العمل سنويا”.
ويختم الفريجي، كلامه بالقول، إن “300 إلى 400 خريج يدخلون سوق العمل سنويا بدون نهج وإستراتيجية كبيرة لاستيعابهم بشكل مفيد في مؤسسات الدولة في حين لدينا عشرات الآلاف من الموظفين غير المنتجين”.
وبحسب مسؤولين عراقيين فإن أكثر من 20 بالمئة من موازنة سنويا تذهب إلى جيوب الفاسدين، كما كشف ذلك تحقيق حكومي كان قد جرى بالتنسيق مع البرلمان لتدقيق أسماء الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية.
فيما قال وزير المالية الأسبق علي علاوي في تصريحات متلفزة، بعد انتهاء فترة إدارته للوزارة في حكومة مصطفى الكاظمي، إن “الفضائيين” الذين يأخذون رواتب من الدولة يتراوح عددهم بين 200 ألف و250 ألف شخص، أما الموظفين الذين بلا دوام فأعدادهم أكثر من ذلك، موضحا أن هاتين الفئتين تشكلان أكثر من 15 إلى 20 بالمئة من الموظفين وتخصص لهم أكثر من 20 بالمئة من موازنة الرواتب سنويا.
وللتعليق على ذلك، يقول المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، إن “الوزارة تسعى منذ العام 2021 إلى إنجاز إدخال موظفي الدولة ضمن قاعدة بيانات إلكترونية ومنحهم أرقاما وظيفية بعد إجراء مسح شامل للموظفين في جميع دوائر الدولة”.
ويضيف الهنداوي، أن “الوزارة شكلت لجانا لتنفيذ قاعدة البيانات التي تحتوي على معلومات كاملة لكل موظف ورقمه الوظيفي، والعمل مستمر على منصة الرقم الوظيفي لمنح الأرقام للموظفين في عموم الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، إضافة للمحافظات ضمن المرحلة الأولى للمشروع”.
ويبين، أن “من تم تعيينهم خلال الفترة الأخيرة أيضا سيتم شمولهم بإدخال البيانات ومنحهم الأرقام الوظيفية ضمن المراحل المقبلة للمنصة”.
وظهر للعيان ملف الموظفين “الوهميين” أو “الفضائيين” لأول مرة بعد العام 2014، لتكشف بعدها جهات برلمانية عن أرقام صادمة بهذا الخصوص، لكن السلطات الحكومية لم تتحرك بشكل جدي وفاعل للقضاء على المشكلة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- عمرها يتجاوز (500) عام :مهنة "رواف الملابس" اندثر سوقها في بغداد وتسير نحو الانقراض (مصور)
- مواكبها امتدت الى مناطق جديدة:انطلاق مسيرة "مشاية البصرة" نحو كربلاء المقدسة في زيارة الاربعينية(مصور)
- المالكي والسوداني و"الإطار".. خطوة أخرى نحو الانقسام