في ظل التوتر القائم بين الحزبين الكرديين، الديمقراطي والاتحاد الوطني، ألقت زيارة مسعود بارزاني زعيم الديمقراطي بظلالها على جملة من التساؤلات حول تأثير تلك الزيارة على مكانة الاتحاد الوطني في بغداد، وخاصة بين قوى الإطار التنسيقي التي تراه (الوطني) الشريك الكردي الأمثل، نظرا للتوترات الكبيرة التي ظهرت في الفترة الماضية بين الإطار وبارزاني.
وقد شهدت العلاقة بين الديمقراطي الكردستاني والإطار التنسيقي، نوعا من القطيعة والتوتر منذ سنوات عدة، وخاصة في العامين الأخيرين، حيث وصل الحزب لمرحلة التهديد بالانسحاب من تحالف إدارة الدولة ومقاطعة العملية السياسية، بسبب قرارات بغداد التي اعتبرها بالضد منه.
وبمقابل ما جرى مع الحزب الديمقراطي، فإن الاتحاد الوطني الكردستاني، حظي بمكانة مهمة، وبات نفوذه أقوى في بغداد، وانعكس على انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، وخاصة في كركوك ونينوى، على حساب الحزب الديمقراطي.
ويقول مصدر سياسي، إن “زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، وعندما كان في بغداد، رفض حضور رئيس الاتحاد الوطني بافل طالباني، إلى اجتماع قادة تحالف إدارة الدولة”.
ويضيف المصدر، أن “قادة الإطار وافقوا على طلب بارزاني، وهو ما يشير بشكل واضح لوجود توتر كبير بين الحزبين الكرديين، في وقت يستعد فيه الإقليم لإجراء انتخابات برلمانية”.
وقد وصل رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، إلى بغداد يوم الأربعاء الماضي، في زيارة استمرت يومين، التقى خلالها أغلب قادة الكتل السياسية، بعد أن بدأ زيارته بلقاء رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ومن ثم حضر اجتماع تحالف إدارة الدولة.
يذكر أن المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، حمل أطراف تحالف إدارة الدولة “مسؤوليتهم الوطنية في تطبيق الدستور وجميع بنود الاتفاق السياسي والإداري الخاصة بتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، مؤكدا أنه “بعكسە لا یمكننا الاستمرار في العملیة السیاسیة”، وذلك بعد أن قرر عضو عنه في المحكمة الاتحادية العليا الانسحاب، على خلفية قرارات صدرت من المحكمة تخص إقليم كردستان، منها الانتخابات وأزمة الرواتب.
لكن الاتحاد الوطني الكردستاني، أعرب، عن التزامه بموعد إجراء انتخابات برلمان الإقليم، معتبرا إياها أفضل وسيلة لتعزيز الديمقراطية.
يذكر أن قرارات المحكمة الاتحادية، سلطت الضوء بقوة على الهوة الكبيرة بين الحزبين الكرديين الرئيسين، بعد أن رحب الاتحاد الوطني بتلك القرارات التي شملت تغيير طريقة صرف رواتب موظفي الإقليم بتحويلها إلى مستحقيها مباشرة عن طريق مصارف عراقية، بدل إرسالها إلى حكومة الإقليم لتوزيعها عليهم.
من جانبه، يبين عضو الاتحاد الوطني الكردستاني أحمد هركي، أن “زيارة رئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني إلى بغداد، جاءت لتعيد العلاقة بين الحزب الديمقراطي والأطراف الشيعية، وسبقتها تمهيدات، تمثلت بزيارة نائب رئيس الحزب الديمقراطي نيجيرفان بارزاني إلى العاصمة الإيرانية طهران، والجميع يعرف حجم التأثير الإيراني على المعادلة العراقية، وهذا الأمر ساهم بترطيب الأجواء مع الأطرف الشيعية”.
وبخصوص تأثير زيارة بارزاني على علاقة الإطار بالاتحاد الوطني، يوضح هركي، أن “الاتحاد لديه علاقة مع القوى الشيعية منذ فترة طويلة، ودعم مشروع الأغلبية الذي كان الديمقراطي أحد أطرافه، كما أن الاتحاد بقي ثابتاً على موقفه ودعم الدولة والقضاء، ونحن لدينا سياسة متوازنة في العلاقة مع جميع الأطراف، والاتحاد لن يتأثر بهذا التقارب بين بارزاني والأطراف الشيعية”.
ويستطرد أن “الزيارة ربما ستساعد بتحسين العلاقات بين الحزب الديمقراطي والأطراف الشيعية، ولكنها لن تكون على حساب الاتحاد الوطني إطلاقاً، وفي المعادلة الكردستانية والعراقية يبقى الاتحاد فاعلا ومؤثراً مهما حصلت من تطورات”.
يشار إلى أن المحكمة الاتحادية العليا أصدرت قرارات بشأن انتخابات برلمان الإقليم، حيث قسمت الإقليم إلى 4 مناطق انتخابية، وقررت أيضا أن تحلَّ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية، بدلا من الكردستانية، وجاء قرار المحكمة لصالح شكوى قدمها الاتحاد الوطني الكردستاني بعد فشل حسم خلافه مع غريمه التقليدي الحزب الديمقراطي الكردستاني، بشأن قانون الانتخابات داخل برلمان كردستان العراق.
إلى ذلك، يبين القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبين سلام، أن “زيارة بارزاني مهمة وتاريخية، ولا علاقة لها بسحب البساط من أي حزب، سواءً كان الاتحاد الوطني أو أي حزب آخر”.
ويلفت إلى أن “الزيارة أكبر بكثير من هذه المواضيع الثانوية، فهي تحمل أجندة كردستانية وعراقية وإقليمية وحتى دولية، وهي أكبر بكثير من مواقف الأحزاب الكردية، التي تسعى من علاقاتها مع الأطراف الشيعية للحصول على منصب معين أو امتياز ما”.
ويكمل سلام: “الاتحاد الوطني الكردستاني في المرحلة الماضية استغل العلاقة المتوترة بين الديمقراطي والإطار التنسيقي، وحاولت بعض أطرافه التصيد بالماء العكر، وصب الزيت على النار، لكننا نقول لهم بإن هذه المرحلة انتهت، ولا توجد أي مسافة آمنة للعب فيها”.
ويتابع أن “الاتحاد الوطني كان يتصرف بعلاقاته مع الأطراف الشيعية بما يخدم مصالحه الحزبية فقط، ولم يكن يعمل على أساس المصلحة الكردية، ونحن نطمئنهم بأن، زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني أكبر من أن يفكر بالانتقام من جهة معينة، ويحب دائماً جميع الأطراف المختلفة على طاولة واحدة”.
يشار إلى أن الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، دخلا في صراع كبير بعد إجراء الانتخابات النيابية خلال تشرين الاول الماضي، حول منصب رئيس الجمهورية، فقد طالب الأول بهذا المنصب، كونه صاحب أكبر عدد من المقاعد النيابية عن الأحزاب الكردية، في وقت أصر الآخر عليه، نظرا لتقاسم المناصب القائم منذ 2005، حيث يسيطر الحزب الديمقراطي على مناصب حكومة الإقليم فيما تذهب رئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني.
جدير بالذكر، أن الاتحاد الوطني، تحالف مع قوى الإطار التنسيقي في مجلس محافظة نينوى، على حساب الحزب الديمقراطي الكردستاني، وقد حظي بمناصب إدارية عدة الأمر الذي دفع الأخير إلى إعلان الانسحاب من مجلس نينوى، وذلك قبل زيارة بارزاني إلى بغداد، لكن بعد الزيارة صدر قرار من رئيس مجلس الوزراء، يقضي بوقف التغييرات التي جرت في إدارة نينوى المحلية.
من جهة أخرى، يؤكد المحلل السياسي عائد الهلالي، أن “زيارة بارزاني إلى بغداد حملت رسائل بخصوص توتر الأوضاع الإقليمية والدولية، وخاصة في ظل وجود رغبة للفصائل المسلحة في المشاركة بهذا الصراع، وتحديداً في جنوب لبنان”.
ويلفت إلى أن “الإطار التنسيقي والقوى الشيعية ترى في الحزب الديمقراطي ومسعود بارزاني قوة كبيرة لا يمكن تجاوزها، خاصة بعد إصلاح العلاقة بين الديمقراطي وطهران”، مضيفا أن “الزيارة لن تؤثر على علاقة الاتحاد الوطني بالإطار التنسيقي، فالأخير يراه شريكاً مؤتمنا ومضمونا وثقة أكثر من الأطراف الأخرى”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- عائلة بارزاني على المحك.. هل تطيح "الرئاسة" بأحد أولاد العم؟
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"
- تبعد (165) كيلومتر عن دمشق: يد السيستاني الرحيمة تغيث اللبنانيين في حمص السورية(فيديو)