على الطريقة الكلاسيكية لمعالجة الأزمات في العملية السياسية منذ 2003، عادت أربيل للتدخل ونزع الفتيل وتقريب الأطراف المتصارعة في بغداد عبر زعيم أكبر أحزابها مسعود بارزاني الذي زار العاصمة بعد فترة طويلة من الانقطاع، كما تحمل الزيارة رغبة الأخير في تسوية العديد من الملفات مع المركز.
وفيما أكد مراقبون للشأن السياسي أهمية هذه الزيارة لترميم الصدع الذي تشهده علاقة أقطاب الإطار التنسيقي المشكل للحكومة، لفتوا إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وظف الزيارة لصالحه في تكوين تقاربات مع الكرد ربما تمتد مستقبلا.
ويقول المحلل السياسي عائد الهلالي، إن “زيارة بارزاني مهمة في الوقت الحالي نظرا للمشكلات الكثيرة داخل العملية السياسية وتحالف إدارة الدولة، لاسيما الأزمة الأخيرة داخل الإطار التنسيقي بعد التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بشأن الانتخابات المبكرة، والتي وجدت أصداء رافضة، وأحدثت شرخا في الإطار التنسيقي”.
ويضيف الهلالي، أن “بارزاني بما يمتلكه من ثقل سياسي محلي ودولي، بادر إلى بغداد لتقريب وجهات النظر ونزع فتيل الأزمات، ومن جهة أخرى شرح وجهات نظر حزبه بخصوص القرارات التي أصدرتها المحكمة الاتحادية في الفترة الماضية”.
ترميم الإطار
ويرى أن “الزيارة مهمة وضرورية خصوصا بعد التطورات الكبيرة التي شهدتها العملية السياسية سلبا وإيجابا، والجميع يدرك أهمية بارزاني كأحد أقطاب العملية السياسية، وقد سجلت له جهود كبيرة في احتواء الأزمات التي كانت تتعرض لها الدولة العراقية”.
ويجد أن “أهمية الزيارة في هذا التوقيت تكمن بوجود صراع ربما يعصف بكل ما تحقق في الآونة الأخيرة، وهو من دفع بارزاني، لأن يكون داعما لحكومة السوداني، ومساندا لها، فهو في بغداد لتخفيف الضغط على رئيس الوزراء وتقريب وجهات النظر مع من باتوا يدركون ويخشون من نجاحاته التي من الممكن أن تحقق له مساحة انتخابية كبيرة جدا في الانتخابات القادمة”.
ووصل رئيسَ الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، الأربعاء الماضي، إلى العاصمة بغداد، منهيا انقطاعا أمده 6 سنوات فرضته خلافات عميقة، والتقى السوداني، قبل أن يجتمع بمسؤولين وقادة أحزاب.
وفيما أكد بارزاني، أن “الهدف من الزيارة تعزيز الجهود التي بذلها رئيس الوزراء وأدت إلى انفراجة حقيقية بين الحكومة الاتحادية والإقليم”، أشار السوداني، إلى أهمية الزيارة و”إجراء حوار بناء حول مختلف القضايا الداخلية والأوضاع الإقليمية”.
وكان زعيم ائتلاف دولة القانون قد دعا في 8 من حزيران الماضي، إلى إجراء انتخابات بحلول نهاية العام الحالي، مؤكدا أن حكومة محمد شياع السوداني، ملزمة بذلك ضمن برنامجها الانتخابي، مشددا على ضرورة منع المسؤولين الحكوميين من المشاركة فيها إلا في حال استقالتهم من مناصبهم.
ولم يصدر عن حكومة السوداني أي تعليق بقبول أو رفض دعوة المالكي لإجراء الانتخابات المبكرة في العراق، كما أن “الإطار التنسيقي” لم يُصدر أي موقف رسمي إزاء الملف الذي جاء في توقيت مثير للجدل، ولا سيما أن السوداني يعمل على إنجاز مشاريع خدمية في البلاد ساهمت في تعزيز قاعدته الشعبية.
أقطاب ومحاور
من جهته، يرى الباحث في الدراسات الاستراتيجية، كاظم ياور، أن “أهمية الزيارة تكمن في مسارين؛ الأول ما يخص بروتكول الزيارة، فبارزاني يعتبر لدى الكثير من الكرد مرجعية سياسية، ومعنى أن يأتي في هذا التوقيت لبغداد، فإن ذلك يعتبر دعما للعملية السياسية وإسناد لشخصيات الحكومة العراقية”.
ويضيف ياور، أن “المسار الثاني يكمن في التوظيف السياسي والشخصي لهذه الزيارة، فثمة مشكلات بين الإطار التنسيقي، وثمة قطبان ومحورية في الإطار التنسيقي بدأت ملامحها بالظهور، القطب الأول يقوده المالكي، والقطب الثاني وإن لم يعلن عن نفسه فإن ملامحه بدأت تظهر، وهو السوداني”.
ويعتقد أن “مجيء بارزاني وجلوسه إلى جانب السوداني، يعتبر توظيفا من قبل الأخير لنفسه بأنه يمتلك أوراق ضغط تجعله محورا قويا داخل الإطار التنسيقي والكتل الشيعية بشكل عام، وهناك توظيفات أخرى لشخصيات قضائية على رأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان الذي تم اتهامه من قبل أوساط سياسية أمريكية بالتقرب من إيران”.
ليست قطيعة
ويشير إلى أن “زيارة بارزاني لم تأت بعد قطيعة كما جرى تداوله، إذ أن هذه القطيعة غير موجودة سياسيا وإداريا بين المسؤولين في الحكومة الاتحادية والحزب الديمقراطي، فقد كانت هناك وفود تأتي وتذهب إلى مقر رئيس الإقليم بشكل مستمر، وكان له حضور فاعل في تشكيل ائتلاف إدارة الدولة وله حضور في أحداث سياسية كثيرة، سواء في بيانات داعمة أو معارضة لسياسات المركز، وهذا يعد تواصلا وليس قطيعة”.
ويعيش الإطار التنسيقي، خلافات عميقة وعدم تصالح بين قياداته، إذ غاب رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، عن آخر اجتماع لائتلاف إدارة الدولة، وأرجع مراقبون للشأن السياسي تلك الخلافات، إلى أسباب عدة، منها الرفض الذي لاقته فكرة المالكي، بإجراء انتخابات مبكرة، والتي أراد منها الضغط على السوداني، كما لم يستبعدوا النزاع على حكومة ديالى المحلية بين دولة القانون ومنظمة بدر وحركة عصائب أهل الحق.
ولفت مراقبون، إلى أن الإطار التنسيقي تماسك في السابق كضد نوعي للتيار الصدري، وبزوال الأخير عاد الائتلاف المشكل للحكومة إلى التشتت.
إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي علي البيدر، أن “تحركات بارزاني استراتيجية تذهب إلى معالجة أزمات حقيقية وعميقة كقضية سنجار وأزمة رواتب الإقليم والنفط والمنافذ الحدودية والتحركات التركية، والكثير من التفاصيل المتعلقة بالأزمات بين بغداد وأربيل”.
شهر عسل
ويشير البيدر، إلى أن “العلاقة بين المركز والإقليم اليوم تمر بشهر عسل وممكن أن نشهد تقاربا بين السوداني والحزب الديمقراطي سياسيا وانتخابيا، والأهم أن تتحد الرؤية فالإقليم يتطلع لبدء صفحة جديدة عنوانها التفاهم بعيدا عن فرض الإرادات ومن هنا يمكن أن تعالج الكثير من الأزمات”.
لكن في مقابل ذلك، يوضح أن “الأزمات بين الإقليم والمركز ليست فنية، إنما سياسية، لذلك حضر الهرم الأكبر للإقليم، إذ دفعت كردستان بكامل أوراقها للتواجد في هكذا لقاءات ممكن أن تسوي معظم الأزمات بين بغداد وأربيل”.
ومنذ بداية العام الماضي، بدأت خلافات تسيطر على العلاقة بين الإطار التنسيقي ورئيس الحكومة، تتمحور حول عدم “خضوعه” لقرارات الإطار في القضايا الداخلية مثل عدم التوجه لانتخابات مبكرة، أو الخارجية مثل ملف إخراج القوات الأمريكية.
وكان مراقبون رجحوا منذ العام الماضي اتساع الخلافات بعد محاولة السوداني “شقّ طريقه” بعيدا عن الإطار، وإمكانية دخول زعيم التيار الصدري على الخط ودعمه السوداني.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- عشرات الدعاوى القضائية ضد "شبكة التنصت" في بغداد
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)
- السياسيون يتبارون بـ"التسريبات".. والحكومة تشكو "الاستهداف"