أكثر من 1400 كيلومتر هي المساحة الممتدة من أقصى الجنوب العراقي إلى أقصى شماله التي تفصله عن إيران، حدود متنوعة التضاريس تتضمن المسطحات المائية والسهول والتلال والجبال والتي يصلح الكثير منها لتحويلها إلى مشاريع استثمارية وأراضٍ زراعية، إلا أن حقول الألغام المنتشرة على طول هذه المسافة تحول دون ذلك، فيما تؤكد الجهات المعنية بأنها تعمل على تطهير تلك الأراضي من المخلفات الحربية.
وفي ناحية زرباطية شرقي محافظة واسط، المحاذية للحدود الإيرانية، تنتشر حقول الألغام والمخلفات الحربية غير المنفلقة من الحرب العراقية الإيرانية على طول الشريط الحدودي للناحية، وتتوغل في أراضٍ قريبة من المدينة والمراعي والمناطق التي يرتادها السياح هناك، وبالإمكان رؤية بعضها ظاهرة أجزاء منها فوق التراب والأخرى مدفونة تحت الأرض ولا يعلم بها أحد لو لا اللوحات التحذيرية.
ويقول المواطن صالح البدراوي (62 عاما) من قرية الطعان في زرباطية، إن "زرباطية وبالخصوص قرية الطعان تعاني من مشكلة انتشار الألغام بشكل كبير، ولم تصل المعالجات الحكومية والدولية إلى حل جذري لها".
ويضيف البدراوي الذي سبق وأن فقد إحدى عينيه بسبب انفجار لغم أرضي "يومياً أتوجه بحذر إلى مزرعتي خشية من الألغام التي أخذت من عائلتي مأخذا كبيرا، فقبل سنوات قليلة من إصابتي، فقد شقيقي منعم ساقه بانفجار لغم".
ويتابع "موسم السيول يشكل أكثر الأوقات قلقاً لنا لأن المياه تقوم بجرف كميات كبيرة من المخلفات الحربية والألغام وما شابه، إضافة إلى تكرار حوادث الإصابات خلال موسم الربيع، حيث يصل إلى هذه المناطق العشرات من المواطنين من مختلف المحافظات للاحتفال بأعياد نوروز".
وتعد محافظة واسط إلى جانب محافظات البصرة وميسان وديالى، الأكثر احتواء لحقول الألغام والمخلفات الحربية غير المنفلقة بحسب تصريحات رسمية لوزارة البيئة ومؤسسات دولية، وبحسب أرقام سبق وأن أعلنت عنها الوزارة فإن العراق يعد من أكثر دول العالم تلوثا بالألغام ويحتوي نحو 25 مليون لغم.
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في نيسان 2023، يوجد أكثر من ربع التلوث بالذخائر المتفجرة في المناطق الزراعية، مما يمنع المزارعين من استخدام الأرض أو كسب لقمة العيش، و20 بالمئة منها قرب أو في البنية التحتية، مما يعبق جهود إعادة الإعمار ومحاولات تحريك الاقتصاد، مشيرة إلى أن العدد الإجمالي لضحايا الألغام ليس واضحا، على الرغم من أن الباحثين قدروا عدد القتلى بأكثر من 10 آلاف حالة وفاة ونحو 24 ألف شخص أصيبوا على مدى العقدين الماضيين.
بدوره يوضح مدير بيئة واسط صباح عباس، أن "في واسط أكثر من 118 كيلومترا مربعا ملوثة بالألغام، ومعالجة هذه المشكلة الخطيرة لا تقتصر على الحكومة المحلية فقط بل تحتاج إلى قرارات من قبل الحكومة الاتحادية".
ويبين أنه "لابد من الحصول على موافقات من بغداد لإخلاء مناطق الشريط الحدودي مع إيران من هذه الألغام، وهذا الأمر مرهون بمدى سيطرة الأجهزة الأمنية على هذه المنطقة وحمايتها من المتسللين في حال خلوها من الألغام".
ولا تختلف قصة صالح البدراوي كثيراً عن قصة راعي الأغنام بكر القصير من أهالي قضاء خانقين في محافظة ديالى المجاورة لواسط، والذي يؤكد، أنه فقد قدمه بالكامل، إثر مروره على لغم من بقايا الحرب على داعش في المنطقة.
ويطالب القصير "السلطات الحكومية بتقديم دعم لشريحة المتضررين من إصابات الألغام والمخلفات الحربية، إضافة إلى التنسيق مع المنظمات الدولية لتنظيف العراق من هذه القنابل الموقوتة".
وكانت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق هبة عدنان، قد أكدت في نيسان 2023 أن محافظة البصرة إحدى أكثر مدن العالم تلوثا بالألغام بمعدل 1200 كيلومتر مربع، تشمل الألغام الأرضية والذخائر العنقودية وغيرها من مخلفات الحرب، معظمها يعود إلى حرب 1980-1988 مع إيران، مؤكدة أنه تم تطهير أكثر من 50 بالمئة من الأراضي الملوثة بالألغام.
من جانبه، يشير معاون مدير مديرية دائرة البيئة في ديالى حارث جليل، إلى أن "10 بالمئة من الألغام الكلية في العراق موجودة في المحافظة، توزعت على مساحة تجاوزت الـ127 كيلومتر مربع".
وينبه إلى أن "العلامات التحذيرية التي تنشرها المديرية لم تحقق النتائج المرجوة، لاسيما أن أغلب الإصابات التي تسجل هي لرعاة الماشية والذين يجهلون القراءة والكتابة من ناحية، ولعدم اكتراثهم بمخاطر هذه المتفجرات من ناحية أخرى".
وعلى خلاف المحافظات الجنوبية الملوثة بالألغام من الحرب العراقية الإيرانية، تعاني محافظة ديالى من إلى جانب حقول الألغام من العبوات الناسفة والمواد المتفجرة والمخلفات الحربية المتراكمة من قبل التنظيمات الإرهابية ما بعد عام 2003، حيث تنتشر هذه المخاطر ليس في المناطق الحدودية فقط بل تمتد إلى داخل الأراضي الزراعية والبساتين والقرى والأحياء السكنية في أطراف المدن.
إلى ذلك يشرح المعاون الأول لمحافظ واسط، عادل الزركاني، أنه "تم التنسيق مع هيئة الحشد الشعبي في محافظتي واسط وديالى لمسح الأراضي الملوثة بالألغام، وإعداد برنامج شامل لمعالجة هذه المشكلة".
ويختم بالقول إن "هذه الحملة تضمنت تشخيص المناطق التي تضم الألغام ومتفجرات، ووضع العلامات التحذيرية، إضافة إلى شق طرق آمنة لمرور المواطنين".
تجدر الإشارة إلى أن وزارة البيئة ومنظمات دولية أكدت في تصريحات سابقة أن ضعف الإمكانيات لدى العراق يعوق جهود إزالة الألغام والمخلفات الحربية، مبينة أن المساحة التي ما زالت ملوثة بالألغام تبلغ نحو 364 ألف ملعب كرة قدم، وأن تطهير ملعب كرة قدم واحد تستغرق أشهرا في العراق، خاصة في ظل الميزانيات الضعيفة المرصودة لرفع الألغام.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- مع اقتراب موعده.. هل تعرقل المادة 140إجراء التعداد السكاني؟