بعد وعود من قبل خمس حكومات متعاقبة لمعالجة أزمة النفايات التي باتت مشكلة خطيرة تهدد حياة الكثير من العراقيين، تعلن الحكومة الحالية الاتجاه نحو المباشرة بتنفيذ مشروع لتدوير النفايات، وهو مزدوج الفائدة، فإلى جانب عملها على التخلص من هذا الخطر البيئي، تعمل أيضاً على إنتاج الطاقة الكهربائية، غير أن كثرة الوعود التي لم يتم الوفاء بها في السابق، جعلت الكثير يشككون بأن يرى هذا المشروع النور.
ويقول المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد العبادي، إن "هناك اهتماماً حكومياً كبيراً بمشروع إدارة النفايات لتوليد الطاقة الكهربائية، لكن من المؤكد أنه حتى في حال إنجاز هذا المشروع فهو لن يحلً أزمة الكهرباء في العراق، بل سيسد جزءاً قليلاً من الحاجة المحلية".
ويضيف العبادي، أن "هذا المشروع سيحال إلى شركات عالمية مختصة، وهو مشروع استثماري وستعمل وزارة الكهرباء على شراء الطاقة من هذه الشركات وفق اتفاقات، لكن حجم الطاقة التي سينتجها هذا المشروع، غير معروف، فهذا أمر ستتم معرفته عند إحالته بشكل رسمي إلى الشركات المختصة".
ويتابع "بحسب الدراسات الأولية فإن بالإمكان توليد ميغاواط واحد، مقابل صرف 40 طناً من النفايات، ما يعني أن المحطة التي تستغل ثلاثة آلاف طن نفايات بإمكانها إنتاج 75 ميغاواط يومياً من الطاقة، وهذا المشروع ربما لا يشمل العاصمة بغداد، بل لمحافظات أخرى".
ويعاني العراق منذ تسعينيات القرن الماضي من نقص حاد في إنتاج الكهرباء بعد تدمير معظم محطات إنتاج الطاقة في العام 1991 جراء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ودول التحالف الدولي لتحرير الكويت، ليبدأ بعدها ما أُطلق عليها في حينها القطع المبرمج للتيار الكهربائي، حيث كان يتم تجهيز المواطنين بأقل من 10 ساعات من الكهرباء في اليوم وأحياناً أقل.
يشار إلى أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى متحالفة معها للإطاحة بالنظام السابق عام 2003 شهدت هي الأخرى استهدافاً لمحطات توليد الطاقة الكهربائية إلى جانب تدمير هائل للبنى التحتية في مختلف الطاعات الخدمية، وبالرغم من إنفاق عشرات المليارات من الدولارات من قبل الحكومات المتعاقبة لإنهاء أزمة الكهرباء إلا أنها لم تجد نفعاً.
ومنذ 20 عاماً يعتمد العراقيون على مولدات الكهرباء الأهلية لتأمين التيار لمنازلهم وخصوصاً في فصل الصيف، حيث يتراجع التجهيز الحكومي إلى ساعات محدودة في بعض الأوقات والأمر يختلف من محافظات إلى أخرى.
من جهته، يؤكد المتحدث باسم وزارة البيئة أمير علي الحسون، أن "هناك جهداً حكومياً حقيقياً من أجل إدارة النفايات لتوليد الطاقة الكهربائية، وتم إطلاق أول مشروع استثماري لمعالجة النفايات وتوليد الطاقة الكهربائية في العراق، حيث يعالج ما نسبته 9500 طن من النفايات يومياً بمنطقة النهروان".
ويوضح الحسون، أن "هذا المشروع له فوائد عدة أبرزها زيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء والتخلص من النفايات وما تشكله من خطورة التلوث، إضافة إلى أن هذا المشروع يوفر فرص عمل كبيرة جداً، ولهذا هناك جدوى اقتصادية وخدمية كبيرة لهذا المشروع المهم".
ويشير إلى أن "هذا المشروع سيكون منفذاً بشكل حقيقي وعلى أرض الواقع خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهناك غرفة عمليات مشتركة لإنجاحه مشكلة من قبل وزارتيّ الكهرباء والبيئة وأمانة بغداد ودوائر البلدية".
وتعد النفايات ومواقع الطمر الصحي واحدة من أخطر المشاكل البيئية التي يعاني منها العراق، وعلى الرغم من تبني جميع الحكومات السابقة لمشاريع إعادة تدوير النفايات إلا أنه لم يتم تنفيذ أي مشروع على أرض الواقع لغاية الآن.
وكانت وزارة البيئة أعلنت في تشرين الأول 2023، عن توجه حكومي لتشريع قانون جديد لمعالجة المخلفات الصلبة، لإنتاج الطاقة الكهربائية واستثمار غاز الميثان، مشيرة إلى أن أمانة بغداد كان لديها مشروعاً في العام 2006 لتدوير النفايات، لكن لم يحصل على الموافقة بسبب وجود مقترحات لإنشاء مجمعات سكنية، وبالتالي فإنه سيؤثر على صحة المواطن.
وبحسب بيان الوزارة آنذاك، فإن كل شخص يفرز يومياً مخلفات تتراوح بين 1 إلى 1.25 كغم، في عموم العراق، وفي محافظة بغداد تنتج يتم إنتاج ما بين 8 إلى 10 آلاف طن من المخلفات، 40 بالمئة منها نفايات عضوية أي بقايا طعام.
إلى ذلك، يلفت عضو لجنة الخدمات والإعمار البرلمانية أمير المعموري، إلى أن "مشروع إدارة النفايات لتوليد الطاقة الكهربائية نسمع به منذ سنين طويلة، لكن لا شيء على أرض الواقع، ولا نعرف أسباب كل هذا التأخير رغم أهمية المشروع للعراق".
ويضيف المعموري، "مشروع إدارة النفايات لتوليد الطاقة الكهربائية، كان يجب أن ينفذ من فترة طويلة لأهميته في توفير الطاقة والخلاص من النفايات التي أصبحت تهدد البيئة، ونحن في البرلمان داعمون لهذا المشروع ومستعدون لتقديم أي شيء لإنجاح هذا المشروع".
ويشير إلى إن "تطبيق وتنفيذ هذا المشروع المعطل منذ سنوات يعتمد على وجود إرادة حقيقية من قبل الحكومة وكذلك الأطراف السياسية على تنفيذ هكذا مشاريع اقتصادية وخدمية، ونأمل تنفيذه بشكل حقيقي من قبل الحكومة الحالية وعدم الاكتفاء بالوعود كحال الحكومات السابقة".
وعلى الرغم من مئات العقود والاتفاقيات التي أبرمها العراق لرفع طاقته من إنتاج الكهرباء، إلا أنها لم تثمر في تحسن واقع الطاقة، ويؤكد مختصون أن حلّ الأزمة يحتاج إلى سنوات عدة لينعم المواطن العراقي بتيار كهربائي مستمر ومستقر.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟