سجلت انتخابات مجالس المحافظات التي جرت أمس الاول الاثنين، أدنى نسبة مشاركة بالمقارنة مع جميع عمليات الاقتراع التي حدثت في العراق بعد 2003، لتبلغ 41 بالمئة فقط، بالتساوي مع نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية التي جرت في 2021، لكن مراقبين شككوا في صحة هذه النسبة أيضاً، مؤكدين أن مراكز الاقتراع في الواقع كانت تخلو من الناخبين، فيما رأوا أن العزوف عن المشاركة يأتي بسبب الفشل في تقديم الخدمات والمقاطعة المنظمة من قبل التيار الصدري وقوى أخرى، إلا أن الإطار التنسيقي وجدها نسبة جيدة ومقاربة كمعدل لنسب الانتخابات السابقة، بل وقلل من تأثير المقاطعة على هذه الانتخابات.
وجرت، صباح أمس الاول الاثنين، عملية التصويت في الاقتراع العام لانتخابات مجالس المحافظات عدا محافظات إقليم كردستان، وانتهت عند الساعة السادسة مساء، بعد أن جرت يوم السبت الماضي، عملية الاقتراع الخاص بأفراد القوات الأمنية، لتشمل 15 محافظة، بما فيها كركوك لأول مرة منذ العام 2005.
ويعزو المحلل السياسي علي البيدر، أبرز سبب لتدني مستوى المشاركة، إلى "طبيعة القوانين الموجودة، فهي لا تحتم وجود نسبة معينة من أجل القبول بالانتخابات، إذ لا تشترط مثلا أن تصل المشاركة إلى 50 بالمئة حتى تكون شرعية، لذا فإن المنظومة السياسية لا تكترث بالمشاركة، بل على العكس تريد أن تتدنى النسبة حتى يتسيّد جمهورها".
ويضيف البيدر، أن "ما يؤثر على المشاركة أيضا هو حالة الفشل والخذلان التي حصلت في السابق، والتي جعلت المواطن يرى الذهاب إلى المشاركة نوعا من العبث"، معرجا على أن "هناك أيضا مقاطعة منظمة تتمثل بالتيار الصدري وقوى سياسية أخرى".
ويتابع المحلل السياسي، أن "هناك قضية أخرى، تتعلق بتكاسل المواطن، إذ لا يدرك كثيرون أهمية أصواتهم، لذا فإنهم يحجمون عن المشاركة في أي انتخابات، دون الاكتراث بأهمية التغيير والوصول إلى حكم رشيد".
وأكدت المفوضية المستقلة للانتخابات، في ساعة متأخرة من ليلة الاثنين، أن نسبة المشاركة في التصويت العام والخاص بلغت 41 بالمئة، لافتة إلى أن عدد المصوتين بلغ 6 ملايين و599 ألفاً و668 مواطناً، باحتساب النسبة من الذين حدثوا بياناتهم، وليس من جميع من يحق لهم التصويت.
وشهد العراق بعد عام 2003، إجراء 5 انتخابات تشريعية دائمة لغاية الآن، وكانت انتخابات مجالس المحافظات التي جرت الاثنين هي السادسة في تاريخه الحديث.
وكانت انتخابات عام 2005، التي أفرزت أول حكومة عراقية منتخبة، سجلت نسبة مشاركة 76 بالمئة، وهي اعلى نسبة مشاركة سجلت في العراق، وبالانتقال إلى انتخابات عام 2010، فقد سجلت نسبة مشاركة بلغت 62.8 بالمئة، وفي انتخابات عام 2014، استمرت نسبة المشاركة بالتراجع لتبلغ 60 بالمئة فقط، بينما تراجعت أكثر في 2018 بواقع 44 بالمئة.
لكن الاقتراعين الأخيرين في 2021 و2023 سجلا أدنى نسبة مشاركة، وهي 41 بالمئة فقط، حيث واجهت الانتخابات هنا حملات مقاطعة كبيرة، أهمها ما شهده الاقتراع الاخير، من غياب لجمهور التيار الصدري الذي اعتاد أن يحضر بكثافة في الانتخابات.
إلى ذلك، يبين القيادي في الإطار التنسيقي عائد الهلالي، أن "نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات كانت جيد جداً، وهي ليست متدينة ولا تختلف كثيرا عن نسبة الانتخابات التشريعية في عام 2021".
ويلفت الهلالي، إلى أنه "رغم دعوات المقاطعة واستهداف العملية الانتخابية، هناك نجاح كبير لهذه العملية ومشاركة شعبية واسعة فيها، وتأثير المقاطعة كان محدودا وليس كبيرا على المشاركة الشعبية"، مبينا أن "العملية الانتخابية جرت بوضع سياسي وأمني مستقر، وهذا دفع إلى المشاركة الشعبية الواسعة".
ويستطرد أن "نسبة المشاركة وهي 41 بالمئة كانت متوقعة، وهذه تقريبا نسبة أي انتخابات تجري في العراق، لو جرى قياسها كمعدل لنسب المشاركة".
وجرت انتخابات مجالس المحافظات وفق نظام "سانت ليغو"، الذي أقره البرلمان، الذي شهد حملة اعتراضات واسعة من القوى الناشئة نظرا لأن هذا القانون يعتمد على القوائم الكبيرة وليس الترشيح الفردي، كما جرى في الانتخابات الماضية، حيث اعتمد نظام الدوائر المتعددة.
وفي هذا الشأن، يؤكد المحلل السياسي المقرب من التيار الصدري عصام حسين، أن "الشعب العراقي اليوم (الاثنين) أعطى كلمته بالمقاطعة، ومهما أعلنوا عن نسب فهي غير صحيحة، لأن مراكز الاقتراع كانت مفتوحة، وهناك نقل مباشر للعملية الانتخابية والأعداد المشاركة واضحة، فالعزوف عن الانتخابات كان كبيرا جدا".
ويضيف حسين، أن "الانتخابات والمفوضية بيد الأحزاب الحاكمة، فمن المؤكد أن يرتفع عدد المشاركين حسب الإعلان الرسمي، لكن هذه الانتخابات أثبت فيها الشعب قدرته على إيقاف الفاسدين، ونحن الآن أمام منعطف سياسي جديد بعد أن عبر الشعب اليوم عن رفضه بنسب عالية جدا".
وشهدت هذه الانتخابات غياب التيار الصدري عن المشاركة، إذ وجه زعيم التيار السيد مقتدى الصدر، في 13 تشرين الثاني الماضي، أنصاره بمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات، وعدّ ذلك بأنه سيقلل من شرعيتها خارجيا وداخليا، حيث أكد أن "مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً.. ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيض العدا.. ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب".
من جهته، يعتقد الناشط محمد عفلوك، أن "العراقيين وصلوا إلى قناعة، وهي أن أيا تكون نسبة الانتخابات المعلنة من قبل المفوضية فهي تنقسم على اثنين، فإذا قيل إن نسبة المشاركة 40 بالمئة، فإن العدد الحقيقي استنادا إلى قناعاتنا هي 20 بالمئة، وهي نسبة مرضية بالنسبة لنا وتتلاءم مع معطيات الواقع، لأن أحدا لا يثق بنتائج الانتخابات وبالمفوضية".
ويرجع عفلوك، سبب تدني المشاركة إلى "عدم قناعة المواطن العراقي بما يسمى العملية الديمقراطية، فمن يقول إن الديمقراطية موجودة هو واهم".
وعن مشاركة محتجي تشرين بالانتخابات، يردف: "النسبة الأعظم من أبناء الاحتجاج هم ضد الانتخابات وضد قانون سانت ليغو، وبالضد من مجالس المحافظات التي أعطينا دماء من أجل أن تلغى، ولكن أنانية وإصرار النظام الحاكم، حال دون مبتغى هذه التضحيات".
وبشأن مشاركة القوى المدنية، يكمل عفلوك، أن "هذه القوائم وإن كانت لا تخلو من الشرفاء، لكنها لا تمثل تطلعات الشارع العراقي ولا تمثل تشرين كقضية".
وانقسمت "قوى تشرين" بشأن الانتخابات، في ظل امتناع جزء منها عن المشاركة، وعلى الرغم من ملاحظات القوى الناشئة والصغيرة على نظام "سانت ليغو" المتبع في الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى أن إلغاء مجالس المحافظات كانت أحد مطالب تظاهرات تشرين، غير أن بعض القوى الممثلة لتلك التظاهرات، شاركت في الانتخابات لكن حصولها على مقاعد سيبقى أمرا صعبا.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"
- تبعد (165) كيلومتر عن دمشق: يد السيستاني الرحيمة تغيث اللبنانيين في حمص السورية(فيديو)