لا تكاد تخلو شركة عامة أو خاصة في العراق من العمال الأجانب، في وقت ترتفع فيه معدلات البطالة بين الشباب العراقي، وفي محافظة واسط يتكرر مشهد تجمهر العشرات من خريجي الاختصاصات النفطية وغيرهم أمام الحقول النفطية للمطالبة بتوفير فرص، في وقت تضم هذه الحقول مئات من العمالة الأجنبية.
أنس عامر (25 عاما) خريج هندسة نفط، يقول إن "آلاف الطلاب العراقيين يتخرجون كل عام من عشرات الجامعات الحكومية والخاصة في أنحاء البلاد، لكنهم يبدأون بعد ذلك رحلة البحث عن فرصة عمل، لاسيما وأن القطاع الخاص شبه متوقف، فتتجه الأنظار للقطاع الحكومي".
وحول وقفة عامر وزملاء له أمام حقل نفطي للمطالبة بالتعيين، يوضح "نقف يوميا أمام حقل الأحدب النفطي منذ أن تخرجنا قبل 3 سنوات، وجميعنا أجرينا الاختبارات الخاصة بالعمل في القطاع النفطي، لكن لم تنجز معاملاتنا، ولم يتحرك العاملين في القطاع النفطي لتعيينا".
وكان عضو لجنة النفط والطاقة النائب السابق صادق السليطي، كشف أن عقود جولات التراخيص تضمنت فقرة "التعريق" التي تعني استبدال العمالة الأجنبية بالعمالة العراقية"، وتنمية قدرات الشباب في العراق، لكن على الرغم مما تشهده التراخيص من ارتفاع كلف التشغيل وصرف مبالغ مرتفعة، إلا أن هذه الفقرة لم تفعّل بالشكل المطلوب، إذ ما زالت الشركات التي تعمل في مدن جنوب العراق وتضم بحدود 100 ألف عامل أجنبي يعودون لأكثر من 105 جنسيات.
وليس بعيدا عن عامر، يوضح حيدر الشمري (33 عاما) من سكنة ناحية الحسينية بالمحافظة، أن "الحقل وبحسب متابعتي اليومية له، بحكم قربي منه، فأنه يضم مئات العاملين الأجانب فيه، وسط قلة العاملين المحليين".
ويطالب الشمري، الحكومة بـ"إعادة النظر في آليات التعيين لجميع الشرائح سواء من الخريجين أو اصحاب الشهادات البسيطة والحرفيين".
وتتضارب الأرقام الرسمية بشأن عدد العمال الأجانب، ففيما أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في كانون الثاني الماضي، أن عددهم بلغ 4 آلاف عامل فقط، كشف وزير العمل الأسبق، باسم عبد الزمان، في عام 2019 أن عدد العمال الأجانب بلغ 750 ألفا، لكن بحسب لجنة العمل والشؤون الاجتماعية السابقة في البرلمان فإن هناك نحو 1.5 مليون عامل أجنبي في العراق.
وحول هذا الأمر، يعلق محافظ واسط محمد المياحي، أن "هناك إجراء اتخذ مؤخرا، تضمن إحالة هذا الملف إلى هيئة النزاهة بسبب عدم وجود شفافية في آلية التعيينات للأجانب، علاوة على تشخيص حالات لإزدواج بين العمل الحكومي والخاص في القطاع النفطي لموظفين عراقيين".
ويبين المياحي، أن "التعاون الوحيد بين المحافظة وشركة نفط الوسط، في مسألة التعيينات يقتصر على تزويد مكتب التشغيل في المحافظة ببعض الدرجات الوظيفية في الحقول النفطية من قبل الشركة، والتي لا تتجاوز الـ5 درجات وظيفية شهريا فقط"، مؤكدا أن "إعلان الشركة عن عدم تجاوز نسبة العمالة الأجنبية في الحقول النفطية الـ20 بالمئة غير صحيح، فأن العدد الحقيقي أكبر من هذا".
وقد كشفت الإحصاءات الصادرة عن البنك الدولي، أن مستوى البطالة في العراق بلغ 13.7 في المئة، وهو المعدل الأعلى منذ عام 1991، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، مبينا أن نسبة الفقر في العراق شهدت أيضا ارتفاعا خلال العام الماضي لتصل إلى 31.7، لكنها انخفضت قليلا هذا العام لتصل إلى 30 في المئة.
حقل بدرة النفطي، شرقي مركز محافظة واسط، والمشغل من قبل شركة روسية، فهو الآخر لم يتجه لتوفير فرص عمل للساكنين قربه، وفقا لمحمد الخالدي.
إذ يبين الخالدي (29 عاما)، أن "التغيير الذي طرأ على القضاء بعد عمل حقل النفط هو ارتفاع أسعار بدلات الايجار بسبب وجود عوائل للعاملين في الحقل من القادمين من خارج المحافظة، إضافة إلى أرتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأخرى".
ويتابع: تقدمت للعمل لأكثر من مرة في حقل بدرة، وتلقيت وعود كثير من قبل مرشحين بالتعيين، لكن هذه الوعود تبين أنها كاذبة، بل ما جرى هو زيادة أعداد العاملين من الأجانب".
وفي العام الماضي، هددت شركة "بتروتشاينا" الصينية النفطية العاملة في محافظة ميسان، بالانسحاب من المحافظة أو من عموم البلاد، بعد تظاهرات ضدها في قضاء الكحلاء، حيث طالب الأهالي آنذاك الشركة، بتوفير الكهرباء والماء الصالح للشرب.
وغالبا ما تشهد المحافظات الجنوبية، التي تضم حقولا نفطية، تظاهرات لأهالي القرى والأقضية القريبة من مواقع عمل الشركات والحقول النفطية، للمطالبة بتعيين أبنائها في الشركات، وتوفير الخدمات لمناطقهم.
وفي واسط أكثر من 55 ألف حرفي عاطل عن العمل، يأملون بالحصول على فرصة عمل، كما يؤكد رئيس اتحاد نقابات العمال في المحافظة كريم العتابي.
ويلفت العتابي، إلى أن "هذه الأعداد توزعت على 6 نقابات في الاتحاد، لكن بالمقابل فإن الاتحاد لا يملك أية إحصائيات دقيقة لأعداد العمالة الأجنبية الموجودة في المحافظة"، مضيفا أن "الممثل القانوني للاتحاد تلقي العشرات من الدعاوى القانونية الخاصة بتسريح العاملين من الحقول النفطية من دون تسليمهم مستحقاتهم الشهرية، إضافة إلى دعاوى أخرى تتعلق بعدم الإيفاء بالالتزامات المتعاقد عليها من قبل هذه الشركات".
إلى ذلك، يشير النائب عن المحافظة حسين مردان، أن "عمل الشركات الاجنبية وفقا للعقود مع السلطات العراقية تضمن الزامها بمشاركة كوادر عراقية ابتداء من مراحل التنقيب والحفر وصولا إلى مراحل الانتاج".
ويتابع أن "إنشاء مصفى واسط الاستثماري الذي أعلن عن استحصال الموافقات النهائية لانشائه في المحافظة من قبل وزارة النفط، سيسهم في توفير فرص العمل لأكثر من 6 آلاف مواطن".
ونصت عقود جولات التراخيص النفطية التي وقعت عام 2009، على تخصيص كل شركة 5 ملايين دولار سنويا تصرف للمشاريع الخدمية في الأقضية والنواحي المحيطة بالحقل النفطي، تحت مسمى "المنافع الاجتماعية".
وكشفت تقارير صحفية في عام 2020، عن وجود 42 مليون دولار، بذمة الشركة الصينية لم تدفعها لقضاء الكحلاء، وهي قيمة المنافع الاجتماعية، وهذه الأموال مترتبة عليها منذ عام 2013.
ويعد ملف مبالغ المنافع الاجتماعية من الملفات الشائكة في العراق، خاصة وأن أغلب المدن الجنوبية التي تتواجد فيها الشركات النفطية لم تتسلم المبالغ المخصصة لها بالكامل، نتيجة الخلافات بين الحكومات المحلية والشركات حول آلية صرف هذه المبالغ.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- آوى النازحين والزائرين :موكب من واسط يقدم خدماته لزوار الحسين في كربلاء منذ (17) عاما
- اهالي واسط لـنون:مشاريع العتبة الحسينية مفخرة لكل عراقي
- عصابة استهدفت عشرات عربات الـ"تك تك" بواسطة جوزة "الجوكر"