- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
توجسات إعلامية ومنبجسات الاعلاميين
بقلم:حسن كاظم الفتال
بعيدا عن المصطلحات الفنية والتوصيفات البلاغية واللواذع النقدية ومجانبةً لصيغ المبالغة بنواحي التعريف والوصف وتماشيا مع البساطة التي يتبناها بعض الراغبين بالتراكيب السردية نقول:
الإعلام فن وذوق وثقافة ذاتية الاكتساب وقد نحسبه إلهاما وإيحاءً يُستَلْهَم من وحي سلامة الفطرة . وهو وجه من وجوه الحكمة أو محصلة من محصلاتها وأمارة من أمارات النبوغ . وهذا ما يوحي لنا أنه ليس بمقدور كل من يتوق ولوج ميدانه أن يستوفي اكتساب واستلهام هذا الفن الخلاق من خلال (دورةٍ ) لأيام معدودة أو بنيل شهادة من الشهادات التي تستحصل في هذه المرحلة التي نعيشها . ولعلنا لا نجانب الحقيقة ولا يكون الوصف غريبا حين نقول بأنه - أي الاعلام - قد يتحد مع خاصية بايلوجية الإنسان ولا بأس أن يكون حصيلة تَطَبُع تتحكم به الجينات الوراثية كما هي العوامل الأخرى.
وهذا ما يفرض على من يرغب أن يتقلد مقاليده أو يخوض غماره أو يتنافس على احتلال الصدارة فيه أن يمتلك بعض المؤهلات ومنها التحلي بالحكمة والحنكة والراي السديد والحصافة والرصانة ويتسم بالتدبر الذي يتيح له الأحقية في ممارسة مهنة الإعلام ببصيرة حادة وبحلم وفطنة وذكاء وبفكر متبلور وبعقلية متفتحة قادرة على الاستيعاب والجذب والاستقطاب . وأن يكون على اتم الاستعداد لرسم صور حية يجسد فيها مواقف يشهدها المتلقي ويفهم عمق مضامينها ومفاهيمها حتى حين تُسْتَخْدَم الكنايات والاستعارات شريطة أن لا تكون أشبه بألغاز يلفها الغموض والتوهيمات .
حكمية الأعراف الإعلامية
من المسلمات إن أبرز سمات الإعلامي المهني الحقيقي أن لا يُسَخِر آلية الإعلام وعناصره لنفسه أو لمكاسبه بل يسخر نفسه لصناعة الاعلام الجاد وله أن يتخلى تماما عن اهتمامه بالتمظهر وبالمزاعم والفذلكات الصوتية وأن لا يميل تمام الميل للصيغ التقليدية والسطحية والقشرية فحسب إنما يصب جل اهتمامه على التعاطي مع الأحداث بتفاعل بالغ وبصيغة الواعي المقتدر على صياغة عبارات حين ينطقها يحيلها إلى صورة تستوعبها الأذهان وتلتقطها وكأنها تعيش وسط الحدث وتشاهد الصورة ليس سماع الكلام حسب .
أدبيات الاعلام غالبا ما تحدد وظيفة الاعلامي الرئيسة فهو يوصف بأنه باعث رسالة واضحة كل الوضوح مكتملة الجوانب والمعاني تسوق المتلقي إلى استيعابها بأقصى سرعة دون الحاجة إلى الرجوع الى مصدر آخر يشرح له ويحلل ما مقصود .
مما لا يرقى له الشك أن جزءًا من مقومات إيصال هذه الرسالة هو إلمام الباعث ببعض مجملات اللغة العربية ولو بنسبة معينة تحقق له الامتثال للصواب وتَجَنِّبه الوقوع في شراك الأخطاء الجسيمة.
مملكة الاعلام بمساحاتها الشاسعة الواسعة المؤنسة للنفوس منذ القدم حرص الكثير من المهنيين والحرفيين المخلصين على أن يتكفلوا حراسة بواباتها وأُطلق عليهم ( حراس البوابة ) وهؤلاء لا يسعدهم أن يلج هذه المملكة من يفتقر للمؤهلات أو من يكون في خطابه مناهضا لأبسط قواعد اللغة ويجهل وظيفة حرف الجر .
موسمية الاعلام المُسَوَّمة
مما لا يختلف عليه اثنان أنه ليس أكبر ولا أضخم ولا أبرز ولا أهم ولا اعظم حدث من مسيرة زيارة أربعينية الإمام الحسين صلوات الله عليه ذلك الموسم العالمي الذي أبهر القاصي والداني .
وهذا ما دعا لأن يُسَخِر الاعلام مختلف أجهزته وآلياته ومكوناته للتعاطي مع هذا الموسم العظيم وما لحق به من أيام . ومن الانصاف أن نقول أن بعض الصور كانت براقة مشعة تسر الناظر وتفصح عن جمالية المناظر إلا أن بعضا من صيغ التعاطي مع هذا الموسم أوحت لنا بإيحاءات باطنيتها أوشت بدلائل وإشارات على أن الواقع الاعلامي في بعض مفاصله بحاجة إلى إفاقة وإلى بلورة ولوحت لنا أن الماكنة الاعلامية تأبى أن تدور إلا على أيدي مشغلين قادرين على إدارتها
لقد أدى الاعلام الاستقصائي في هذا الموسم دورا في بعض مفاصله وجزئياته في تجسيد صورٍ فكرية ذهنية لمشاهد ووقائع مثيرة للدهشة تستحق الذكر والتوقف عندها والاشادة بها .
إنما محدودية الخبرة وضعفها لدى بعض الاعلاميين أدت إلى أن اهمل بعضهم الأداء الاستقصائي حيث انه إن لم يكن قد عجز عن فهم ماهيته اشتبه في الفهم وجَذَبَه الجانبُ التقليدي وانشد إليه أكثر منه الى الحرفي .وأبهرته بعض المشاهد التي لا تستحق الاهتمام وانشغل بالتقاط صور تتميز بالكم لا بالنوع متجاهلا الاشارة إلى معالم كثيرة كان ينبغي أن تُصَوَر وتترسخ في بعض الذاكرات غير أن ذلك لم يحصل .
لقد نالت طبيعة الأحاديث الجانبية نصيبا كبيرا من اهتمام بعض الأفراد من تلك التي لا تغني ولا تسمن ولم يُحْكِم قبضته على (ميكرفونه) بل راح يهبه لأي متحدث دون انتقاء ودون اتزان وفَضَّلَ أن ( يُزَوِّم ) عدسة كاميرته ان صح التعبير على زوايا ميتة كما يقال لا تستحق الالتفات إليها .
هذه الحصيلة كونت ضبابية وعتمة شديدة على بعض من كينونة الاعلام لهذا الزمن المر وجزئياته ومفاصله وكادت تُجهِز على اشتياق وذائقة المتلقي للرسالة الاعلامية وربما أوشك يخاصم كل وسيلة تنتمي لفصيلة الاعلام مرئية كانت أو مسموعة .
وهذا ما يستدعي إعادة النظر في بعض التكوينات والتشكيلات وبث الروح من جديد لما اُجهِزَ عليه.
أقرأ ايضاً
- الغيرة من براءة الطفل إلى توجسات المرأة
- فوائد إعلامية نفسية في النشر الالكتروني..
- الكنايات والاستعارات الإعلامية