جمعهما حب الحسين (عليه السلام) فجاء كل منهم من بلده، ليلتحق بركب مسيرة الاربعين في العراق، وتحديدا من جنوب العراق ليكون المسير من ابعد نقطة عن ضريح سيد الشهداء ابي عبد الله (الحسين)، لكنهما مرا بضرفين مختلفين ومتشابهين بنفس الوقت، والتشابه انهما يزوران كربلاء لاول مرة وسيرا على الاقدام، فالأول شيخ كبير السن، جاء يتلمس الاجر والثواب، والثاني كان يرى الزائرين على شاشة التلفاز ويتأثر ويبكي وكانت ظروفه صعبة، وقد حصل مع كل منهما موقف هز شاعره وصدمه.
اول زيارة
يشرح الزائر نعيم عبد الله عبود (76) عاما، الذي يسكن في منطقة العميدية التي تبعد عن الاحواز مسافة (130) كيلومترا لوكالة نون الخبرية انه" دأب على المشاركة في الزيارة الاربعينية منذ سقوط النظام المباد والى الآن، ويؤكد منذ بلوغي سن التكليف احضر المجالس الحسينية، حيث توجد لدينا بحدود (50) حسينية، وهو ما تربينا عليه منذ الصغر، واكثر ما تأثرت به هو سير الناس في اربعينية الامام العام في العام 2003 دون ان اعلم به، فتهيأت للزيارة في العام 2004 وهي بدايتي مع الزيارة وصاحبني بها خمسة اشخاص، وكانت اول زيارة لي عبر حملة زوار عددنا (600) زائر، وكانت احدى محطاتنا في منطقة الخضر بمحافظة المثنى، واستقبلنا احد شيوخ عشائر المنطقة وكانت ضيافتنا عليه، وكنا موكب يضم رواديد ومكبرات صوت ويقرأ القصائد في طريق الزائرين ".
تنازل ولي الدم
ويكمل الزائر الايراني حديثه باكيا بالقول" أنا اقرأ مقتل الامام الحسين (عليه السلام) منذ خمسين عاما في عدد من الحسينيات في منطقتنا، واول مرة اصل الى كربلاء والحرمين الشريفين وقع نظري على قبة ابي الفضل العباس (عليه السلام)، كأني رأيت معركة الطف امامي وبكيت بحرقة لم ابكيها من قبل لانها اول مرة ازور بها كربلاء المقدسة بعد عقود من الحرمان، ومنذ ذلك التاريخ وانا ازور العتبات المقدسة في العراق ، ولكن اكثر ما صدمني ولم اصدقه هو ما حصل معنا عندما خرجنا من السماوة ووصلنا الى الرميثة وكانت المواكب تتوقف عن الخدمة ليلا ويذهب المشاية الى بيوت "المعازيب" وجئنا متأخرين، فبحثنا عمن نبيت ليلتنا عنده وعددنا (15) زائرا، فجاء شخص ودعانا للمبيت عنده جميعنا، وبعد لحظات حضر شخص آخر ولم يجد زائرا فطلب من الاول ان يقتسموا الزائرين فيما بينهم (وكانت طريقتهم بالكلام تدل على وجود خلاف كبير بينهم)، وعرفنا فيما بعد ان من دعانا اولا مطلوب بقضية قتل شخص من ذوي الشخص الثاني، وان بينهم دم وان الثاني هو ولي الدم، واتفقت عشيرتي الشخصين على تأجيل جلسة الفصل العشائري الى ما بعد الزيارة الاربعينية، فخاطب ولي الدم الرجل الاول هل تقبل ان تعطيني ثمانية منهم ليبيتوا عندي هذه الليلة واتنازل لك عن الفصل العشائري واتنازل عن جريمة القتل، فوافق الاول وانتهت القضية اكراما لنا زوار الامام الحسين (عليه السلام) وهي صدمة لم اعيشها في حياتي".
من لبنان
منذ ثماني سنوات كان للزائر اللبناني "رواد زين الدين" من اهالي مدينة زحلة موعدا مع اول زياره له لكربلاء الشهادة ويشرح لوكالة نون الخبرية اولى خطوات في العام 2015 بالقول" قبلها كنت اتابع الزيارة الاربعينية عبر شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، ولم أكن اعرف شيئا عن العراق ومدنه وطرق السير فيه، وللأني مرتبط بوظيفة ودوام قررت ان ابدأ من مدينة الديوانية القريبة حتى لا تتعدى ايام سيري الاسبوع الواحد، ونشرت بوست على حسابي بالفيسبوك انا لبناني وارغب بالسير من الديوانية الى كربلاء المقدسة واحتاج الى مساعدة للمبيت ودلالة الطرق، فدخل على حسابي المئات من العراقيين يعرضوا خدماتهم لي، وقبل سفري بيوم راسلني شخص واتضح انه من اهل الديوانية وانتظرني في مطار النجف وزرنا سويا مرقد امير المؤمنين واخذني الى بيته في الديوانية، ومكثت يومين وصاحبني بالسير الى كربلاء المقدسة واعادني الى الديوانية، ولا استطيع وصف ما جرى لي في اول زيارة للحسين (عليه السلام)، من كرم العراقيين ومعازيبهم والاحساس والشعور وانت تسير مع حشود مليونية لا يشبه ما نراه في الشاشات، واكثر ما اثر بنفسي هو اصرار خدام الحسين على غسل ملابس الزائر وهي بادرة لا يقبلها احد في الحياة العامة".
الصدمة بعد الزيارة
وصل عمري الى (44 عاما) واعتبر احلى واصعب لحظة في حياتي عندما صارت قبة ابي عبد الله امام عيني لاول مرة، ولا اجد كلمات تصف تلك اللحظة، هكذا يكمل الزائر اللبناني كلامه ويضيف، وكنت مقررا ان اصل الى الشباك المقدس رغم الزخم البشري وتعب المسير حتى وان بقيت عشر ساعات، والا فاني لا اعتبر نفسي لم ازر مولاي الحسين، ومعي امانات من معارفي من لبنان، اوصلتها وامسكت بالشباك وحكيت ما يدور في خلدي ونقلت نداءات معارفي عند ضريح الامام الحسين، وبمسيري صار امامي مسير السبايا، وفي ضريح الحسين وجدت الطف والمعركة، وعندما امسكت الشباك جاءتني قوة غريبة جعلتي لا اتأثر باي دفع وزخم، ودرجت العادة عندنا ان يستقبل الزائر المهنئين عند عودته من العراق، لكني عندما رجعت الى لبنان بقيت عشرة ايام في صدمة واعتذر من المهنئين، لاني عشت في اجواء الزيارة وتعودت على المعازيب والزوار والكرم والاصدقاء في العراق ولا اريد مفارقتهم، وعدت ومعي كمية هائلة من الصور لأنقل كل معروف الشعب العراقي معي، واصعب لحظات هي خلال توديعي من قبل من ضيفني وعائلته واصدقائه من الديوانية في مطار النجف الاشرف، فحصل فاصل بكاء غير طبيعي وشعرت كأني افارق عزيز لن اراه مرة ثانية، وكان البكاء والنحيب سيد الموقف".
قاسم الحلفي ــ ذي قار
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)