- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجِعُ الأَعلى يُحمِّلُ المُجتمع الدَّولي مسؤُوليَّة نسف التَّعايُش:حرقُ القُرآنِ الكريم ليسَ من [حُريَّة التَّعبير]
بقلم: نــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
في رسالتهِ اليَوم إِلى الأَمين العام للأُمم المتَّحدة حمَّل المرجِعُ الأَعلى في النَّجفِ الأَشرفِ بالعراق المُجتمع الدَّولي مسؤُوليَّة إِنتشار الأَفكار المُتطرِّفة في العالَم جرَّاء السِّياسات الفاسِدة التي تنتهجَها الحكومات الغربيَّة إِزاء مُقدَّسات مِليارَي مُسلم ومِنها حماية الأَشخاص الذينَ يعتدُونَ على كِتابهِم المقدَّس [القرآن الكريم] وتركهُم يتجاوزُونَ عليهِ في وضحِ النَّهار وأَمامَ مرآى ومسمع السُّلطات الأَمنيَّة المحميَّة بدورِها بقراراتِ القضاءِ الدُّستوري بذريعةِ حمايةِ حُريَّة التَّعبير!.
إِنَّ هذا التَّفسير الأَعمى لحُريَّة التَّعبير يحرِّض على العُنفِ والإِرهابِ لأَنَّهُ ينسف مبدأ التَّعايش السِّلمي بين الأُمم والشُّعوب [وهو المبدأُ الأَعلى شأناً] وإِنَّ أَكبر دليل على ذلكَ هو ما يشهدهُ العالَم اليَوم من ردودِ فعلٍ غاضِبةٍ جرَّاء جريمة حرقِ القُرآن الكريم في مملكةِ السُّويد، فهيَ ليست مُؤَشِّراً على أَنَّ هذا التَّفسير يُساهِمُ في ترسيخِ التَّعايش والسِّلمِ الأَهلي والمُجتمعي أَبداً.
من جانبٍ آخر، فلو اعتبرنا جدلاً بأَنَّ القُرآن الكريم بمثابةِ كتابٍ [كأَيِّ كتابٍ آخر في العالَم] يحمِلُ بينَ دفَّتيهِ أَفكاراً وتفسيراتٍ يختلفُ معها نفرٌ من النَّاسِ، أَفلا يعني أَنَّ حرقهُ بمثابةِ حرقٍ للأَفكارِ وللرَّأي الآخر وبالتَّالي فهيَ طريقةٌ همجيَّةٌ تعبِّرُ عن عدمِ احترامِ حُريَّة التَّعبير؟!.
ماذا لو أَقدمَ كُلُّ مَن اختلفَ مع آراءِ كتابٍ من الكُتبِ على حرقهِ، فهل سيبقى كتابٌ في العالَم؟! وهل ستبقى مكتبةٌ تحتضنُ كُتباً في هذا العالَم؟! هل سيبقى عِلمٌ وفِكرٌ وثقافةٌ في هذا العالم؟! أَهي الطَّريقة المُثلى التي يراها الغَرب للتعبيرِ عن حُريَّة الرأي والحوارِ بينَ الأُممِ؟!.
أَوليسَ الفكرُ يُناقَش بالفكرِ؟! والرَّأيُ يُرَدُّ عليهِ بالرَّأي؟! فما هو الفرقُ بينكُم وبين داعش وأَخواتها من التَّنظيمات التكفيريَّة الإِرهابيَّة التي [حاورت] الفكر بالسَّيف! والرَّأي الآخر بحزِّ الرُّؤُوس؟!.
فضلاً عن أَنَّهُ [التفسير] يُمثِّل أَعلى درجاتِ الإِزدواجيَّة والنِّفاق، وإِلَّا ماذا يعني أَنَّهم يعتبرُون الإِعتداء على مُقدَّسات المُسلمين بأَنَّهُ من حُريَّة التَّعبير ولكنَّهم يجرِّمونَ مَن يستهزِء [مُجرَّد يستهزِئ] بشعارِ الشَّاذِّينَ الذين يسيرُونَ بعكسِ اتِّجاهِ الطَّبيعة؟!.
ماذا سيكونُ موقفهُم لو أَنَّ مِليارَي مُسلم ومعهُم المليارات من أَتباعِ الدِّيانات الأُخرى نفَّذُوا وصيَّة السيِّد مُقتدى الصَّدر فداسُوا وأَحرقُوا شعار الشَّواذ في كُلِّ العالَم، في كُلِّ شارعٍ وزُقاقٍ وفي محطَّات المترُو وفي المُتنزَّهات العامَّة؟!.
هل سيعتبرونَ ذلكَ من حُريَّة التَّعبير؟!.
إِنَّ على الأُمم المُتَّحدة التي تتحمَّل مسؤُوليَّة حماية السِّلم الدَّولي أَن تأخُذَ بفحوى رسالةِ المرجعِ الأَعلى فتُبادر فوراً إِلى تشريعِ كُلِّ ما مِن شأنهِ أَن يُكرِّس التَّعايش بينَ البشر والذي لا يتحقَّق إِلَّا باحترامِ عقائدِ ومقدَّساتِ كُلِّ النَّاس ومِن دونِ تمييزٍ على أَساسِ الدِّينِ والعِرقِ واللَّونِ.
يقُولُ تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
وكتبَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهدهِ للأَشترِ النَّخعي عندما ولَّاهُ مِصر {وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ؛ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.
لا تقولُوا إِنَّ ذلك يتعلَّقُ بسيادةِ كُلِّ دَولةٍ! فلقد مارستُم من قبلُ كُلَّ أَنواعِ الضَّغط والتدخُّل لحملِ حكوماتِ دُولٍ مثل المملكة العربيَّة السعوديَّة لتغييرِ مناهجِها الدراسيَّة لأَنَّها تُحرِّضُ على الكراهيَّةِ وإِلغاءِ الآخَر وبالتَّالي على العُنفِ والإِرهابِ؟! فأَينَ كانت السِّيادة وقتها؟! أَم أَنَّ باءكُم تجرُّ متى ما رغِبتم ولا تجرُّ متى ما أَردتُم؟!.
وفي غيرِ هذهِ الحالةِ فلا يلومَنَّ الغربُ إِذا انتشرَ التطرُّف والإِرهاب في العالَم إِلَّا نفسهُ لأَنَّهم يغذُّونهُ بمثلِ هذهِ السِّياسات والتَّفسيرات الفاسدة التي تُوظِّف القِيم النَّبيلة للنَّيلِ من مُقدَّسات الآخرين ولتلغيمِ مفاهيمِ التَّعايش السِّلمي والتنوُّع والتعدديَّة ليفجِّرها الإِرهابيُّونَ متى ما تمكَّنُوا.
٢٠٢٣/٦/٢٩
أقرأ ايضاً
- الأولويّةُ للمواطنِ وليسَت للحاكم
- دلالة (الأجل والميقات) في القرآن الكريم
- قِراءاتٌ في خطابِ مُعتمدِ المرجعِ الأَعلى