بقلم: علي حسين
منذ أن بدأت كتابة هذه الزاوية التي تثير حفيظة بعض السياسيين والمسؤولين، وأنا أسأل نفسي؛ ترى بماذا يفكر المواطن الأوروبي، وهو يقرأ كتاباً أو صحيفة؟، بالتأكيد ستكون اهتماماته متعلقة بأحدث إصدارات دور النشر، ولأنني لا أريد أن أدخل القارئ في نفق مظلم سأتحدث عن الكتب، فقد وقعت عيناي على خبر يقول إن كتاب "التاو" لا يزال بعد كل هذه السنين يحقق مبيعات متميزة في المكتبات الأوروبية بحيث عد الكتاب الأكثر مبيعاً، والتاو كتاب في الفلسفة كتبه الفيلسوف الصيني لاوتسو، وهو معاصر لكونفوشيوس، ويعده الكثير من الدارسين للفلسفة الصينية الفيلسوف الأول، وقد تصدى لترجمة الكتاب للعربية اثنان من أهم فلاسفة العرب المعاصرين، وهما الدكتور عبد الغفار مكاوي في ترجمة نشرت باسم (كتاب الطريق)، وعمنا هادي العلوي في مختارات من التاو.
كتاب التاو عبارة عن قصص وأمثال وحكم ونوادر صيغت بأسلوب رمزي يجمع بين البساطة العميقة والشاعرية الأخاذة. يقول فيلسوفنا الراحل هادي العلوي إن أصل كلمة تاو في اللغة الصينية هو الصراط، وفي الفلسفة يصبح هو الطريق الذي يأتي منه كل شيء. من بين الحكايات التي ضمها كتاب (التاو) في ترجمة مكاوي اخترت هذه الحكاية.
والحكاية تقول: كان في بلاد "تسي" رجل يدعي "كو" وكان غنياً جداً، وكان في بلاد "سونغ" رجل يدعى "هيانغ" وكان فقيراً جداً. ذهب الرجل الفقير إلى الغني وسأله ماذا فعل ليصبح غنياً؟! فقال له "بممارستي السرقة. فعندما بدأت أسرق حصلت، خلال سنة، على ما يفي بحاجتي. وفي غضون عامين أصبحت في بحبوحة، وخلال ثلاث سنوات أصبحت موسراً ثم أصبحت من الأعيان"، ولم يطلب الفقير المزيد من الإيضاحات، فودّعه والأرض لا تكاد تسعه من الفرحة وشرع للتو في السرقة، يتسلق الجدران أو يثقبها، مستحوذاً على كل ما يتفق ورغبته، لكن ما لبث أن ألقي عليه القبض، فأعاد ما استولى عليه إلى أصحابه وخسر زيادة على ذلك، القليل الذي كان يملكه من قبل، ولاعتقاده بأن "كو" قد خدعه، ذهب إليه ولامه لوماً شديداً، فسأله "كو"، وقد عقدت الدهشة لسانه: كيف تصرفت؟ وعندما روى له الفقير طريقته، صاح "كو": لم أجمع ثروتي عن طريق هذا النوع من السرقة، فأنا سرقت بحسب الوقت والظروف، فقد استحوذت على الأشياء قبل أن تصل إلى الناس، إن كل ما عندي سرقته، ولكن قبل أن يؤول إلى أي شخص، أما أنت فقد سرقت ما تركته أنا للناس، ما قمت به أنا سرقة عامة لا يعاقب عليها القانون، أما ما قمت به أنت فسرقة خاصة ويعاقب عليها، إن الناس من أمثالي يعيشون من سرقاتهم، دون أن يكونوا في هذا لصوصاً. انتهت الحكاية وأتمنى أن لا يأخذكم سوء الظن وتعتقدون أنني أتحدث عن بعض المسؤولين الكبار.
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- جرائم الإضرار بالطرق العامة
- لاتشتموني بعد سرقة "المالات" !