على الرغم من ارتفاع احتياطي العراق من العملة الأجنبية، توقع صندوق النقد الدولي انخفاضه في العام المقبل، ما سلط الضوء على مستقبل البلاد الاقتصادي، ففيما أكد متخصصون أن العملة العراقية مغطاة بنسبة 150 بالمئة في الوقت الحالي، يعد إسنادا لها، أشاروا إلى مخاطر انخفاض الاحتياطي بفعل عجز الموازنة الكبير واحتمالية سحب الحكومة منه إلى جانب انخفاض أسعار النفط، وهذا سيوقع البلد في "حرج كبير".
ويقول المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، إن "هناك رابطة بين تطور الاحتياطيات الأجنبية في العراق ودورة الأصول النفطية فبلوغ الاحتياطيات إلى المستوى الأعلى في تاريخ البلاد حتى الوقت الحاضر جاءت نتيجة ارتفاع متوسط أسعار النفط عام 2022 إلى قرابة 94.5 دولار للبرميل".
ويضيف صالح، أن "ما يتوقعه صندوق النقد الدولي من انخفاض في الاحتياطيات الأجنبية هو أيضا قد أسس على توقعات هبوط في أسعار النفط في العام 2023 نسبة إلى العام الماضي يقدر بنحو 11 بالمئة".
ويخلص المستشار المالي والاقتصادي إلى أن "هذا ما يلخص أسباب التوقع في تقلب الاحتياطيات في العام 2024 على وفق ما صرح به صندوق النقد الدولي مؤخرا".
وكان صندوق النقد الدولي، توقع اول أمس الاثنين، أن تبلغ احتياطيات العراق من العملة الصعبة خلال العام الحال 2023، حوالي 99.4 مليار دولار، ارتفاعا من 97 مليار دولار في عام 2022، كما أشار إلى أنه من المتوقع أيضاً أن تنخفض هذه الاحتياطيات إلى 93.1 مليار دولار في عام 2024.
ووفقا لصندوق النقد، فأن أكثر الدول العربية امتلاكا للاحتياطيات كان من نصيب السعودية حيث بلغت الاحتياطيات من العملة الصعبة فيها عام 2022 بحدود 459.9 مليار دولار، تليها الإمارات بواقع 127.8 مليار دولار، فيما كانت أقل الاحتياطيات لدى الدول العربية هو من نصيب البحرين حيث بلغت الاحتياطيات من العملة الصعبة خلال عام 2022 بحدود 4.5 مليارات دولار.
ومنذ مطلع العام الماضي، شهدت أسعار النفط ارتفاعا قياسيا كبيرا، لم يحدث منذ نحو 7 سنوات، بفعل الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو ما عاد بالفائدة على العراق، خاصة وأن سعر البرميل بلغ 130 دولارا.
ومن ضمن عوامل الفائض المالي هو قرار مجلس الأمن الدولي، القاضي بإغلاق ملف التعويضات العراقية للكويت، بعد تسديد العراق كافة مبلغ التعويضات البالغ 52.4 مليار دولار، حيث كان يتم استقطاع 5 بالمئة من إيرادات النفط للتسديد منذ 32 عاما، والتي كانت تقدر يوميا بين 7-6 ملايين دولار، بحسب أسعار النفط في السنوات السابقة.
من جهته، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي، أن "ارتفاع احتياطيات العراق من العملة الصعبة، يعزّز المكانة الاقتصادية الداخلية للبلاد من خلال تعزيز المكانة النقدية للعملة العراقية، فاليوم العملة مغطاة بأكثر من 150 بالمئة، فالعراق لديه ما يغطي من الدولار بأكثر من 150 بالمئة وهذا إسناد قوي للعملة المحلية".
ويبين التميمي، أن "هذا الأمر يزيد من تصنيف الائتمان الخارجي للعراق، وهذا يؤكد أن الموقف المالي للعراق جيد، ويساعده في الاقتراض الخارجي أو أية مشاريع اقتصادية خارج البلاد، من حيث أنه بلد غير مفلس وموقفه المالي جيد جداً من خلال ارتفاع احتياطياته من العملة الصعبة"، لافتا إلى أن "هذا الارتفاع يؤكد قدرة العراق على التوسع الاقتصادي، بسبب امتلاكه هكذا أموال من العملة الصعبة".
ويضيف أن "توقع صندوق النقد الدولي بانخفاض احتياطيات العراق من العملة الصعبة خلال سنة 2024، جاء بسبب الموازنة الكبيرة للعراق مع توقع أسعار انخفاض أسعار النفط، خصوصاً أن إيرادات العراق نفطية فقط، فهذا يدل على أن الحكومة ربما تسحب من الاحتياطيات كالاقتراض من أجل توفير الأموال، وتبقى هذه فقط توقعات وربما تتغير خلال الأشهر القادمة".
وبلغت قيمة موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، 200 تريليون دينار (151 مليار دولار)، لكل عام، وبنيت على سعر 70 دولارا للبرميل، فيما بلغ العجز فيها 63 تريليون دينار.
وكان مجلس النواب، أنهى الشهر الماضي، القراءة الثانية لمشروع قانون الموازنة، ومناقشة تقرير اللجنة المالية بشأنها، وقد تضمن التقرير ملاحظات كثيرة وتفصيلية، وجداول تقارن بحجم النفقات بين موازنة 2021 و2023.
ومن جملة ما تضمنه التقرير، ارتفاع عدد الموظفين مقارنة بموازنة 2021، وفيه: ارتفاع أعداد الموظفين في وزارة التربية بنسبة 525 بالمئة، ليبلغ عدد القوى العاملة فيها أكثر 963 ألف شخص، ووزارة الصحة سجلت بدورها، ثاني أكبر ارتفاع بنسبة 320 بالمئة، ليبلغ عدد موظفيها أكثر من 488 ألف شخص، تلتها هيئة الحشد الشعبي التي ارتفع عدد منتسبيها من 122 ألفا إلى 238 ألف منتسب بزيادة بنسبة 95 بالمئة.
كما سجلت مخصصات بعض الوزارات، وفقا للتقرير، ارتفاعا متفاوتا، فوزارة النفط ارتفعت بواقع 60 بالمئة بتخصيص جديد قدره 6 تريليونات، فيما قفزت وزارة التخطيط بنسبة 720 بالمئة، من 500 مليار دينار إلى 4.1 تريليون دينار، وتخصيص وزارة الإعمار والإسكان ارتفع بنسبة 171 بالمئة، ووزارة النقل بنسبة 211 بالمئة، فيما ارتفع تخصيص وزارة الداخلية 230 بالمئة ووزارة الدفاع 67 بالمئة.
ومطلع الشهر الماضي، خفض العراق إنتاجه النفطي، بواقع 211 ألف برميل طوعيا، إلى جانب دول أوبك، بغية رفع سعر النفط العالمي، حيث كان قرابة 80 دولارا للبرميل في حينها، وعدّت الخطوة لحماية الموازنة، بإبقاء سعر النفط أعلى مما ورد فيها، لكن سرعان ما انخفضت الأسعار لتتراوح بين 70 - 73 دولارا.
بدوره، يشير الباحث في الشأن المالي عبد الرحمن المشهداني، أن "ارتفاع احتياطيات العراق من العملة الصعبة أمر معلوم ولا حاجة للكشف عنه من قبل صندوق النقد الدولي، فالعراق حالياً يمتلك حالياً 114 مليار دولار، وهذا الارتفاع يعطي قوة للاقتصاد، ويمكن البنك المركزي العراقي من تغطية العملة وإعطائها قوة وجعلها تحت السيطرة".
ويضيف المشهداني، أن "ارتفاع احتياطيات العراق من العملة الصعبة، يؤكد القدرة على تغذية العملة خلال الأشهر القادمة، خصوصاً أن طلب الحكومة خلال الأشهر القادمة سيكون أكبر من مشتريات البنك المركزي، ولهذا صندوق النقد الدولي، توقع انخفاض احتياطيات العراق من العملة الصعبة في سنة 2024".
ويتابع، أن "احتياطيات العراق من العملة الصعبة، تقسم على قدرتها على تمويل استيرادات العراق، وهناك نعرف كم تستطيع هذه الاحتياطيات لتمويل استيرادات، فحسب الاحتياطيات هذه تكفي لأكثر من سنتين، وهذا يؤكد أن الوضع الاقتصادي للعراق سيكون في أمان، وقادرا على تجاوز الأزمات سواء كانت داخلية أو خارجية، لكن عندما يكون احتساب الاحتياطيات غير قادر أن يغطي الاستيرادات لشهرين أو ثلاثة، فهذا يعني أن الوضع الاقتصادي للبلاد بحرج وأي أزمة سيكون تأثيرها عليه كبيرا وخطيرا، لكن العراق وضعه جيد جداً وفق ارتفاع احتياطيات العراق من العملة الصعبة".
وتبلغ إيرادات النفط حاليا، حسب آخر إحصائية لوزارة النفط بشأن مبيعات شهر آذار الماضي، سبعة مليارات و404 ملايين دولار، عن 100 مليون و913 ألفا و27 برميلا، بمعدل تصدير ثلاثة ملايين و255 ألف برميل، بمعدل سعر 73.37 دولاراً.
يذكر أن العراق يبيع نفطه بأقل من السعر العالمي بـ6 - 7 دولارات، ما يجعل سعر النفط العراقي بحدود 66 – 67 دولارا للبرميل.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟