- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شهر رمضان بوصلة ترشد للتكامل الجزء الثاني
بقلم:حسن كاظم الفتال
الانفراد بالخصوصية هنالك بقعتا ضوء لا تشابهها أية بقعة في زمكانية الواقع والسجل التأريخي الإيماني . تلتقيان في هذا الشهر المبارك وهاتان البقعتان تعدان وسيلة وسبيلا لتهذيب النفس وتربيتها وتعليمها وترويضها إن لم تكن من قبل قد تروضت . في هذا الشهر المبارك تنزل القرآن الكريم على صدر خير خلق الله خاتم الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وفي هذا الشهر فرض الله الصيام على الذين آمنوا بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ـ البقرة /183 مفهومان إيمانيان مربيان مقترنان يحاكيان كوامن الذات والروح وبواطن النفس الإنسانية ويُكوِّنان آفاقاً واسعة لحركة الروح لتتجول بكل ارتياح واطمئنان وثقة في ميدان المعرفة القدسية بعد أن تتلقى بكل حيوية ونشاط إيحاءات إيمانية صادقة تمكنها من الشروع إلى عوالم التربية الربانية الحسنة والتدرع التام بالاستقامة المستديمة وهذه الاستقامة ستكون الزعيمَ والسائق والموجه للإنسان المخلص حقا الجاد بإخلاصه الذي يتحكم الإخلاص في كل سكناته وحركاته وتنقلاته باطنا وظاهرا سرا وعلانية مخاصما زخرف الدنيا ونابذا حطامها بعبادة خالصة تثبت سمة وشرفية إنسانيته . حيث أن شهر رمضان موسم إنساني يتيح للفرد أن ينصهر في بوتقة التعبد بعبادة حقيقية خالصة لله بكل صدق وهذا الإنصهار يخلصه من شوائب وعقبات ومخلفات الماضي إن وجدت ويجرده من كل ما أنتج ذلك الماضي أو ما ترك من أثر على النفس الإنسانية .وهذا ما يشير له قول رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إن الشقي حق الشقي من خرج منه هذا الشهر ولم يغفر ذنوبه ) لعل تلألؤَ البقعة الأولي يظهر بحكمة الصوم التي ينبغي أن تتفاعل معها النفس البشرية لتنتج كينونة مشحونة بالانعطافات السلوكية التغييرية التي تنقل الفرد من واحة إلى واحة أخرى . وينبغي للإنسان أن يتمظهر بفريضة الصوم تمظهرا واقعيا صرفا وأن يكون التمظهر يطابق عمق الاعتقاد الصميمي الصادق المترسخ في أعماق النفس . وأن يدرك الصائم أن فريضة الصوم فضيلة ربانية تتجلى بها مفاهيم ومضامين وهي على أقل تقدير تعيد إنشاء أو ترمم المعابر التي ربما تم تحطمها أو ثلمت الغفلة والسهو جوانب منها بمرور الشهور الأخرى . وهذه الفريضة ترفع الفرد المسلم وتضعه على شرفات العقيدة ليطل من خلالها فيشاهد ببصيرته جمالية المسالك التي ما أن يسلكها حتى يبلغ السمو والرقي وما يليق بمقامه ومنزلته التي كرمه الله جل وعلا بها شهر رمضان هو شهر واحد إنما بوسع الإنسان أن يجعل منه فصولا وفصولا تتيح له التحول من فصل إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى ومن نمط إلى آخر ويتخذ من هذه التحولات غربالا يغربل فيه كل ما اكتسب وما قدم ليتوفر على حصيلة مرضية وبقناعة تامة. لا نريد أن نكرر أن الصوم لا يعني الإمساك عن الطعام والشراب فحسب وهذه حقيقة لا يرقى لها الشك وليس فينا من لا يدركها إنما تدعونا أحيانا الضرورة لهذا التكرار أو للإشارة إلى ذلك من أجل أن نمهد للحديث دون أن نستغرق فيه كثيرا . والإمساك يعني الامتناع عن تناول الطيبات بمختلف أصنافها واشكالها لفترة محددة , وهذا الامتناع لعله يعطل بعض الوظائف للجسم أو وظائف بعض الأعضاء في الجسم وينشط أجزاءً أخرى . وهذا التباين والاختلاف في الوظائف لعله يصبح أوانا لوقوف الإنسان على ربوات التفكر ومن ثم يحدو به هذا التفكر إلى سبيل الصواب والسلامة أو انه يرشد الإنسان لاختيار الطريق الصحيح عندما يكون واقفا على مفترقات طرق ينتظر أيا منها يختار ليسهل له حسن الاختيار. إلى اللقاء في الجزء الثالث