بقلم: علي حسين
انتهيت قبل مدة من قراءة المذكرات التي كتبها ابن الروائي الشهير ماركيز رودريغو غارثيا وصدرت بعنوان "في وداع غابو ومرسيدس" حيث يعترف لنا الابن بأنه بدأ كتابة هذه المذكرات منذ سنوات، وكان يعرف أنه لن ينشرها طالما والدته على قيد الحياة، لذلك لم أستغرب عندما سمعت أن النائب أحمد الجبوري "ابو مازن" المتخصص ببيع المناصب والمنافع ينوي كتابة مذكراته، لكنه لن ينشر لانها ربما تثير ضجة سياسية !! .
مثلما ابتدع لنا المرحوم غابريل غارثيا ماركيز عالم الواقعية السحريّة ، ابتدع لنا "ابو مازن" عالم الرثاثة السياسية، وشرح للعراقيين مشكورا : كيف تّمكن "سيادته" خلال السنوات الماضية من لفلفة بعض الملايين بالعملة الدولارية، فمن صفقة بيع منصب رئيس البرلمان، إلى صفقة بيع منصب محافظ صلاح الدين، إلى صفقات صعود مثنى السامرائي وجلوسه على كرسي الزعامة السياسية.
عندما كتب ماركيز النسخة الأولى من روايته الشهيرة مئة عام من العزلة التي كانت بأكثر من 800 صفحة رفضها الناشر وهو يوبّخه: من يقرأ كلّ هذا الكوم من الورق؟ فأعاد ماركيزكتابتها وهذه المرة بـ600 صفحة فرفضها الناشر مصرّاً على أن لا تتجاوز الأربعمئة. ولم يكن يدري أنّ هذه الصفحات الأربع مئة ستأخذه إلى المجد.
ظلّ نموذج السياسي اللاعب على الحبال يشغل ماركيز طوال حياته، وهو يقول لكاتب سيرته "لقد تعلّمت أنّ الإنسان عليه أن يساعد الآخرين على الوقوف مرفوعي الرأس إلى جانبه.. الإنسان الذي يصرّ على أن ينظر إليه الآخرون باعتباره (بلياتشو) لا يستحقّ صفة الإنسانية".
منذ سنين ونحن نعيش مسرحية الصراع على الكراسي ونهب أموال الدولة وشعارات محاربة الفساد، ثم وجدنا رئيس اللجنة المالية في البرلمان النائب المتقاعد هيثم الجبوري الذي ظل يصرخ في الفضائيات مطالباً بإعدام الخبير الاقتصادي سنان الشبيبي، هذا الرجل بعد ان أسس حزباً باسم الكفاءات وظل يصول ويجول في أروقة البرلمان، قرر ان يؤسس مافيا لسرقة اموال الضرائب، وهي مبالغ بسيطة لا تتجاوز الثلاثة مليار دولار ن يمكن لها ان تبني مئات البيوت للذين يسكنون في العشوائيات.
ثمة أشياء تنغص علينا حياتنا مثل حالة النائب هيثم الجبوري، وثمة أشياء نمر عليها سريعاً، نحن الذين نتابع قفزات الدولار، وصمت النواب الذين كانوا يصرخون في الفضائيات "وا ديناراه"، ومن هذه الأشياء ما صنعته إرادة شاب يعمل في سلك الشرطة اسمه سيف عباس كَطوف عندما قرر ان يطلق مشروعه الحلم من خلال فكرة أقرب إلى الخيال من الحقيقة، بناء بيوت لليتامى والفقراء بألف دينار يجمعها من تبرعات المواطنين، هذا الشاب النموذج الحقيقي للمواطن العراقي يعمل بصمت ونكران للذات، في وقت يتقافز فيه "نواب الصدفة" على شاشات الفضائيات.
أقرأ ايضاً
- جريمة عقوق الوالدين "قول كريم بسيف التجريم"
- اين شعار اليونسيف الاول (طفلا يشرب الحليب) من اطفال غزة اليوم؟
- حين انتصر الدم على السيف