- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
صراخ النهر: هذه حكاية ’’العباس’’ مع الدم والماء!
بقلم: الشيخ صلاح الخاقاني
كان الرجل ظامئا. اقترب من النهر ليشرب. حين لامست اصابعه الماء. تعالى في الفضاء صدى صراخ اطفال ونسوة أجفله حتى أنه جرّ يده من الماء فاختفى الصوت.
حين عاود لمس الماء تعالى الصوت من جديد. لم يجفل هذه المرة ولكن الصدى كان مخيفا كما لو أنه ينطلق من مشهد رعب. ترك الماء فاختفى الصوت من اخرى.
لم يلبث أن اكتشف الملازمة بين لمس الماء وصدى الصراخ. وكانت طبيعة الصراخ المخيفة تمنعه عن شرب الماء. ود لو ان الصوت يختفي حتى يشرب.. ولكن ذلك لم يحدث.
ولأنه كان ظامئا تغافل عن صوت الصراخ وأجبر نفسه على حمل الماء بيديه كي يشرب. حين ادناهما من شفتيه، أجفلته صبغة الدم وقد انتشر في الماء. حين رمى بالماء الى النهر اختفى الدم.
قال لنفسه:
ـ أي شريعة هذه التي تحمل لعنة الدم والصراخ!
ابتعد قليلا عن المشرعة، وكانت ثمة صخرة، جلس عليها ليستريح. حتى بدا له شبح انسان من بعيد راح يقترب. حين وصل اليه وجده اسمر يرتدي ثيابا من تلك التي يرتديها الناس منذ زمن قديم في التاريخ.. لم يلتفت الكهل اليه. ظل في مسيره الهادئ كأنه لم يتلق احدا على الصخرة.
اقترب الكهل من المشرعة وراح يصلي، كانت صلاته عروجا بالغا للروح في ملكوت السماء، وما إن شرع بها حتى اخضرت ضفاف النهر. الرجل انتبه لما بين صلاة الكهل واخضرار ضفة النهر، وفكر في ان ثمة ملازمة بينهما، كتلك التي كانت بين صدى الصراخ وملامسة اصابعه الماء، غير أن الكهل حين فرغ من صلاته لم تتلاشى الخضرة عن ضفاف النهر، احتمل الرجل ان الكهل سيكون قادرا على اغتراف الماء من النهر بلا صراخ ودم، وتأكد له ذلك حين وجده يغترف لنفسه جرعات ويشربها. هرع اليه ليطلب منه المساعدة على سد ظمأه. إنه لا يطلب غير قليل من الماء يسد به حاجته للارتواء. قبل أن يصل اليه كان الكهل قد ابتعد عن النهر حتى اختفى في الافق الذي جاء منه، التفت الى الضفاف فوجد الخضرة قد اختفت عنها وعادت كما كانت شريطا من طين يفصل النهر عن اليابسة.
استعر الظمأ في الرجل فمد يده للماء.. قليلا منه لسد حاجته الملحة للارتواء. غير ان الصراخ علا ما إن لامست اصابعه الماء، وحين تجاهله.. فار الدم في الغِرفة بين يديه.