- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء الثامن عشر
بقلم: د. عبد المطلب محمد
كوارث البنك الدولي
ان القروض التي يقدمها البنك الدولي تمثل تهديدا حقيقيا لاستقلالية اقتصاديات البلدان المقترضة لكونه يفرض سياسته واجراءاته الاقتصادية الخاصة على هذه البلدان. وهذه احدى صيغ الاستعمار الجديد ودور المؤسسات المالية الدولية في تنفيذ هذا المخطط حيث ان شروط البنك تقلل من قدرة الحكومات على تنظيم اقتصادها الداخلي بما يتناسب مع ضروفها وحاجاتها الخاصة. كما ان شروط البنك تسهل للشركات المتعددة الجنسيات من الدخول لاسواق تلك الدول والاستثمار فيها ونتيجة لامكاناتها المالية الكبيرة وخبرتها الواسعة فهي تستحوذ ايضا على الثروات الطبيعية والموارد الثمينة للدول. ويذكر الاقتصادي (مايكل برونو) نماذج كثيرة لدول كانت اقتصاداتها تنمو بشكل ممتاز لانها اعتمدت قوانين محلية تصب في مصلحة مواطنيها دون مصالح الشركات المتعددة الجنسيات وبالتالي حرمت تلك الشركات من أسواق جديدة وأرباح كبيرة وبسبب ذلك مارست تلك المنظمات المالية الدولية الضغوط على هذه الدول لإفشالها اقتصاديا واجبارها على فتح أسواقها للاستثمارات الاجنبية الغربية.
ومن الطريف بالذكر الاشارة الى رفع الاتحاد الاوروبي شكوى ضد روسيا أمام منظمة التجارة العالمية ومطالبتها بدفع مبلغ قدره (290) مليار دولار كتعويض لما خسرته الشركات الاوروبية بسبب سياسة روسيا في الاعتماد على المنتجات الوطنية والاستغناء عن الاستيراد. ان العبرة من هذا الخبر هو ان الدول الاوروبية وأمريكا تعمل كل ما في وسعها من أجل عرقلة الدول الاخرى ومنع تطورها الصناعي والاقتصادي ومنعها, حتى لدولة متقدمة مثل روسيا, من الاعتماد على نفسها في انتاج ما تحتاجه من سلع ومنتجات والوصول الى الاكتفاء الذاتي وعدم الاستيراد من الخارج.
ويأخذ عدد من الباحثين على البنك وصندوق النقد الدوليين أنهما يعملان لخدمة (النظام العالمي الجديد والشركات العابرة للقارات) وهما أبرز أدوات العولمة والاستعمار الجديد حيث يقومان بإقراض الدول الفقيرة بقصد التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي بينما تقومان بتطبيق الشروط الخاصة بهما والتي عادة ما تكون بالضد من مصلحة الدول الفقيرة. فهاتان المؤسستان تقومان بإقراض الدول الفقيرة بما يساعد حكومات الدول الغربية الكبرى على التدخل اقتصاديا في هذه الدولة عبر استثمارات وجماعات ضغط تجعل من هذه الدول تابعة لها وخاضعة لسياساتها. ويعتبر الكاتب الأميركي (نعوم تشومسكي) أن هذه الشركات المتعددة الجنسيات هي أحد أبرز دوائر النفوذ التي تتحكم في النظام العالمي وتعمل عليه.
ان شرط الخصخصة وفتح الاسواق للتجارة الحرة الذي يفرضه البنك الدولي يؤدي بالنتيجة الى تدمير البنية الصناعية والزراعية للبلدان المقترضة حيث تتحول المؤسسات الانتاجية التابعة للدول الى مؤسسات تمتلكها الشركات العابرة للقارات أو في أحسن الظروف من حصة الطبقة الغنية السائرة في ركاب الدول الغربية والمنفذة لشروطها. وبذلك يتحول هدف هذه المؤسسات من خدمة اقتصاد المجتمع والدولة الى مؤسسات هدفها جني الارباح والمكاسب على حساب الشعوب الفقيرة مما يؤدي الى اختفاء المؤسسات الإنتاجية العمومية في العديد من الدول. يضاف الى ذلك تدهور قطاع الخدمات والصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية الذي كانت تقدمه الدولة لمواطنيها وخاصة الشرائح الفقيرة والمعدمة.
والنتيجة ان الشركات الغربية المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية تستغل ابشع استغلال اغلب دول النصف الجنوبي من الكرة الارضية باستعمال سلاحين فتاكين للدمار الشامل هما الديون والمجاعات. فعن طريق الديون تتخلى الدول المديونة عن سيادتها وادارتها لاقتصادها الوطني وعن طريق الفقر والجوع, الذي ينتج عن الديون, فأن الشعوب تعاني من الاحتظار وتتخلى عن حريتها ومطالبتها بحقوقها (للمزيد يراجع كتاب Jean Ziegler, 2008 – L’Empire de la Honte. Librairie Générale Française, Paris, France. 344 pages).
ومن شروط البنك ايضا خفض الانفاق الحكومي وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية المقدمة للطبقات الفقيرة والمعدمة ورفع الدعم عن مواد أساسية وغذائية وزيادة الضرائب على المواطنين وتقليل عدد العاملين في الوظائف الحكومية وينعكس هذا التقشف الى خفض الدعم الصحي وخفض الانفاق الحكومي على التعليم بجميع مراحله مما يؤدي بدوره الى خفض النمو الاقتصادي والمستوى الفكري على المدى البعيد والى زيادة الامراض وخفض القدرة الشرائية ومستوى المعيشة للسكان وارتفاع معدل البطالة وانتشار الفقر وتدهور الطبقة العاملة.
يقول (جون بيركنز), وهو خبير اقتصادي دولي عمل كمستشار اقتصادي في الشركات الاستشارية الامريكية الكبرى, في كتابه (اعترافات قرصان اقتصادي) تتضمن طلبات الشركات والمكاتب الاستشارية الدولية من الدول التي تعجز عن دفع ديونها واحدة أو أكثر من الطلبات التالية وهي : السيطرة على تصويت هذه الدول في الامم المتحدة أو قبولها بأنشاء قواعد عسكرية على اراضيها أو الهيمنة على مواردها الطبيعية وخاصة النفطية. وتبقى بعد ذلك كله الدول المقترضة مدينة بالاموال للبنك الدولي وعليها سداد القرض والفوائد المترتبة عليه.
كما يقول (جون بيركنز) في موضع آخر من الكتاب وهو يرى الشعوب المغلوب على أمرها (متى سيتحرك هؤلاء الناس مثلما تحرك الامريكيون ضد انكلترا في القرن السابع عشر, أو كما فعل سكان أمريكا اللاتينية ضد اسبانيا في بدايات القرن الثامن عشر ؟) ويمكن الاضافة الى ذلك كما فعل العراقيون ضد الانكليز في ثورة العشرين وأهم من ذلك كله ثورة الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) على الطغمة الحاكمة الفاسدة في عصره.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟