بقلم: علي حسين
في مرات كثيرة لا أعرف ماذا أفعل حين أقرأ ما يكتبه بعض المحسوبين على مهنة الصحافة، هل أضحك من العبث والكوميديا السوداء، أم أصمت من شدة الكآبة والحزن، من أبرز المضحكات والمبكيات التي حاصرتني الأسبوع الماضي ما قاله احد "المحللين السياسيين"، "إن أهم ما تحقق في العراق بعد 2003 هو التجربة الديمقراطية التي تعد الأفضل في المنطقة".
لا أريد أن ألوم صاحبنا "المحلل" فهو رجل على باب الله، فقبله قرأنا ما هو أكثر كوميدية، حين أخبرنا همام حمودي أن مشكلة العراق هي جرعة الديمقراطية الزائدة التي منحت للشعب.
ينسى البعض أنه من العبث أن تبذل مجهوداً كي تحاول إقناع عاطل عن العمل، بأن الديمقراطية العراقية غيرت مصائر الناس نحو الأحسن، ومن السذاجة أيضا أن تحاول ذلك مع أرملة تنتظر أن تلتفت إليها الدولة.. إن تقييم البسطاء وإحساسهم الفطري يظل أحد المعايير المهمة في الحكم على التجربة السياسية.
بعد تسعة عشر عاماً من التغيير أعتقد أن العراقيين مستعدون أن يسامحوا جميع السياسيين والمسؤولين على الكوارث التي مرت بهم خلال السنوات الماضية، إذا شعروا بأن هناك بصيصاً من الأمل يحمله الغد إليهم.. يستطيع السياسي أو المسؤول أن يقول ما يشاء عن نواياه وخططه المستقبلية وعن الخير الذي يخبّئه للعباد، لكن المواطن المسكين يريد أشياء ملموسة، هذا المواطن لن تسد "الخطابات" وبرامج "التوك شو" ومقولة سحر عباس جميل التاريخية وهي ترحب بسليم الجبوري: "إنطي الخبز لخبازته حتى لو تاكل نصه"، لن تسكت جوع أطفاله، هذا المواطن لن توفر له شعارات براقة مثل "الإصلاح" و"نداء الوطن"، سكناً لائقاً ولاعلاجاً صحياً في مستشفيات متطورة.. هذا المواطن لا يمكن الضحك عليه بشعار "القضاء على الفساد" وهو يرى أن الكهرباء وحدها نهبت من أمواله أكثر من ميزانية دولة مثل مصر.
المواطن الفقير الموجود في القرى والنواحي يريد طُرقات نظيفة، يريد عملاً يوفر له الحد الأدنى من متطلبات الحياة، لا يريد أن يقضي الصيف في بيروت والشتاء في دبي، يريد فقط أن يأكل ويشرب ويلبس.
يريد تعليماً ينمي أحاسيسه ومعارفه ولا يحوله إلى طائفي ومتطرف، يريد أن يضمن أن كل ما أنفقه على أولاده من أجل التعليم سوف يجد مقابله وظيفة عندما ينهون دراستهم الجامعية، يريد مستشفى به الحد الأدنى من الإمكانات التي لا تجعله يموت من سوء الخدمة، يريد مواصلات آدمية، لا تجعله يكره نفسه، أو يقضي معظم يومه في الشوارع المكدسة بكل أنواع السيطرات.
هذا المواطن البسيط لا تشغله كثيراً معارك "إنقاذ وطن" مع "الإطار التنسيقي"، هو يريد أن يعيش تحت شعار "مواطنون لا رعايا".