- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم القيم - الجزء الثاني
بقلم: د. عبد المطلب محمد
عقدة التفوق
كما ان الدول الغربية الاوروبية وأمريكا هي مصدر الصناعات الكهربائية والالكترونية والادوية ووسائط النقل والمعدات الانشائية الثقيلة والمكائن الزراعية والبذور والمبيدات الحشرية واغلب ما تزخر به الاسواق والدول من بضائع ومنتجات ومعدات وهذا باب ايضا من ابواب الاستعمار الجديد في السيطرة والتحكم بالاسواق والاسعار والدول. فمثلا تتحكم بسوق انتاج البذور ومبيدات الحشرات التي ترافقها (8) الى (10) شركات دولية كبرى على مستوى العالم أغلبها أمريكية مثل شركة (مونسانتو). وقد وضعت هذه الشركات جينات خاصة في البذور التي تبيعها تمنع اعادة انبات البذور المحصودة مما يضطر الفلاحون, كل عام, على شراء البذور والمبيدات الحشرية لغرض الزراعة بأسعار تحددها هذه الشركات.
كما تتحكم شركات الادوية الكبرى وهي أوروبية غربية وأمريكية بأنتاج وتسويق وتحديد أسعار الادوية الطبية وتمنع الدول الفقيرة من انتاج نسخ عامة من الادوية خشية من أن تتمكن الدول الفقيرة من صناعة الادوية التي تحتاجها واستغنائها عن شراء الادوية من الخارج. وينطبق نفس الامر على بقية الصناعات والمنتجات, فالدول الغربية تمتلك الخبرة والمعرفة اللازمة وتقوم شركاتها الكبرى بأحتكار وتصنيع وانتاج المعدات الثقيلة وصناعات الصلب والتعدين واستخراج وتكرير النفط وانتاج وسائط النقل وانتاج الاسلحة والمعدات العسكرية وغيرها من الصناعات الحياتية الضرورية المختلفة. وعن طريق هذه الصناعات تستعمر وتتحكم الدول الغربية وأمريكا ببقية الدول والشعوب وتفرض عليها سطوتها وأجندتها.
وتمتلك الدول الاوربية وأمريكا آلة عسكرية ضخمة وبحوزتها اعتى الاسلحة وأكثرها فتكا وتدميرا تستخدمها احيانا تحت غطاء منظمة الامم المتحدة واذا لم تسير الامور على ما تشتهي ووجدت معارضة لخطتها من قبل بعض أعضاء المنظمة فانها تعمل حينئذ لوحدها مع حلفائها المقربين بدون غطاء دولي كما حصل مثلا في غزو أمريكا لبنما عام 1989 وافغانستان عام 2001 والعراق عام 2003. ان القوة العسكرية الغاشمة تلوح بها وتستخدمها الدول الغربية عندما تفقد بقية الوسائل قدرتها في التأثير على الدول الضعيفة التي تحاول الخروج من هيمنتها.
اضافة الى ذلك فأن هنالك عامل أخر أكثر تأثيرا مما سبق على سلوك وتصرف الدول الغربية ونظرتها الى بقية الشعوب والدول حيث يعتقد الاوربيون الغربيون في دفائن اعماق نفوسهم بانهم الجنس البشري المتفوق على بقية الاجناس. فالعنصرية هي أساس من أسسس الفكر والثقافة الغربية ولم تكن التفرقة العنصرية وسياسة الاقصاء وليدة اليوم بل انتشرت بين الغربيين بشكل كبير منذ القدم. وهذا الموضوع بحاجة الى بحث طويل يمكن الرجوع فيه الى العديد من المصادر العلمية التي كتبت عنه بالتفصيل ولكن الغرض هنا باختصار هو بيان تأثير هذا العامل على طريقة تفكير الاوربيين وطريقة تعاملهم مع الاعراق الاخرى حيث اعطت الدول الاوروبية لنفسها مكانة عالية ومتفوقة وما عداها من الشعوب جاهل ينبغي تهذيبه وتعليمه والاخذ بيديه ومساعدته للوصول الى الحرية والثقافة ونمط العيش على الطريقة الغربية.
ولو عدنا بالتاريخ قليلا الى الوراء للبحث عن جذور هذا الفصل والتمييز العنصري والانتقاص من الاخرين لوجدنا أن له جذورا فلسفية وفكرية فيما اعتقده وكتبه وبشر به العديد من مفكري وفلاسفة الغرب الكبار أمثال المفكر والكاتب الفرنسي فولتير (1694 – 1778), المفكر الإسكتلندي ديفيد هيوم (1711 – 1776), المفكر الالماني ايمانويل كانت (1724 – 1804), الفيلسوف الالماني جورج ويلهلم هيغل (1770 - 1831), الفيلسوف الالماني آرثر شوبنهاور (1788 – 1860), الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844 - 1900), الكاتب الامريكي هربرت سبنسر (1820 – 1903), المفكر الفرنسي جان بول سارتر (1905 - 1980) وأضرابهم من الكثير من المفكرين والفلاسفة الغربيين. فهؤلاء الفلاسفة والمفكرين والكتاب كانوا في أغلبهم نتاج الحقبة والبيئة التي عاشوا فيها وهي بيئة تتعالى على بقية الاجناس وتشعر بالتفوق عليهم وقد انساقوا من دون تفكير بعواقب أفكارهم الى تبني الافكار العنصرية التي كانت لها آثار مدمرة على العديد من الشعوب وأدت الى استمرار الظلم وعدم المساواة والاقصاء والاستعمار. ومن العجيب ان نرى تلك العقول المفكرة والكبيرة وفي فترة تعتبر عصر التنوير في اوروبا تتبنى وتساير الافكار العنصرية التي كانت سائدة في زمانها وكان من المفترض ان يكون لهم موقف مشرف بخصوص هذه القضية وأن يحملوا مشعل المساواة ما بين البشر وأن يرفضوا العبودية والإستعمار والعنصرية واضطهاد واستغلال البشر الاخرين حالهم كحال مفكرين آخرين رفضوا السير مع التيار ووقفوا بوجه العنصرية والاستعمار.
والحقيقة أنه لا يمكن تجاهل عنصرية الماضي وعقدة التفوق التي تربت عليها اوروبا وتأثيرها المباشر والسيء على طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع الاخرين. فالافكار العنصرية والشعور بالتفوق خلقت مبررا لدى الدول الاوروبية ليتعاملوا مع بقية الشعوب بشكل ظالم وبشع ومنحتهم الشعور بالفوقية عليهم وخاصة من هم بدرجة أقل سواء على الصعيد الثقافي أو الاجتماعي أو العلمي أو نتيجة اختلاف اللون أو العرق أو الديانة وما نتج عن ذلك من استعمار واستعباد وعدوان وتدمير وسرقة لثروات الشعوب والدول الاخرى.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة