بقلم: رعد العراقي
لا شكّ أن الكرة العراقية قد رسمت مسيرتها الفنيّة عبر استلهام وتقليد الأسلوب الإنكليزي الذي كان يشكّل العلامة المميّزة للكرة العالميّة إبّان عشرينيّات القرن الماضي حين اسهم الاحتلال الانكليزي لبلاد الرافدين في تأسيس نواة الأندية والمسابقات المحليّة كانت سبباً في أن يميل اللاعب والمدرّب المحلّي لانتهاج هذا الأسلوب الذي يعتمد القوّة البدنية واللعب الطويل للكرة ولا زال متمسّكاً بها.
المعروف أن المنتخب الإنكليزي استطاع بهذا التكتيك الحصول على لقب كأس العالم لمرّة واحدة فقط عام 1966 بالاستفادة من عاملي الأرض والجمهور، وقليلٍ من الحظّ وهو الإنجاز العالمي الأبرز للكرة الإنكليزية التي شهدت بعدها تراجعاً كبيراً عجزت فيه عن تأكيد تفوّقها، مكتفية ببعض الألقاب على مستوى الأندية في البطولات الخارجية اعتماداً على نُخبة المُحترفين من الجنسيّات الأخرى.
ذلك التراجُع دفع الجهات المسؤولة الى البحث عن الحلول المنطقيّة لإعادة الروح لمنتخب (الأسود الثلاثة) فلجأتْ الى تفعيل وتنشيط الاحتراف على مستوى الأندية الممتازة وبقية الدرجات ممّا اسهمت في تصدّر الدوري الإنكليزي لأقوى دوريات العالم، وشجّعت اللاعبين والمدرّبين المحترفين للبحث عن فرص الظهور والشهرة في (البريمرليغ).
وبرغم ذلك، فإن نتائج المنتخب الإنكليزي الأوّل ظلّت من دون المستوى المطلوب، ولم تشهد تطوّراً ملحوظاً مع إن كل الامكانيّات المادية التي رُصدت لها إلا أن الحسنة الوحيدة هو حصد الأندية المحلّية الكثير من الألقاب الخارجية، وأيضاً استفادت الدول (الأم) للاعبين المحترفين الأجانب من تطوير قدرات لاعبيها وتوظيفها لصالح منتخباتها.
وبعد البحث الطويل عن الحلول، استطاع الاتحاد الإنكليزي من الوقوف والإمساك بأصل المُعضلة عبر اعتماد مشروع (DNA) الذي اطلقهُ المدير الفني دان اشوورث وهو مشروع الحمض النووي الجديد لإنكلترا بهدف تطوير واصلاح كرتها وتحويل المنتخب من فريق فاز بجائزة (الأكثر إحباطاً في العالم) الى فريق يمكن أن يرفع كأس العالم لأول مرّة منذ عام 1966.
استلهم اشوورث التجربة الألمانية والنموذج البلجيكي لانتاج جيل ذهبي، وأيضاً إطّلع على تجربة فرنسا في خطف كأس العالم 1998بعد الاستفادة من أكاديمية التدريب الفرنسية كليرفونتين (أحّد مراكز النُخبة التسعة لكرة القدم بباريس).
ملخّص المشروع يستند الى خمسة عناصر أساسية هي التركيز على ثقافة وقيم الكرة الإنكليزية للفئات العمرية، وأن يضع نجاح المنتخب في مقدّمة اهتمامه، والاعتماد على أسلوب الاستحواذ على الكرة، وأن ينتهج المنتخب الأول نفس طريقة المنتخب الأقل من 16 عاماً، وتطوير مستوى اللاعب الإنكليزي عبر الاحتكاك والمشاركة المكثّفة، وكيفية التدريب الذي ثبت أنه يتخلّف كثيراً عن بقية الدول ويتطلّب استقطاب مدرّبين على مستوى عالٍ وتطوير المحلّيين، وأخيراً ريادة إنكلترا في علم الرياضة والطب والتحليل والجانب النفسي، وتخريج لاعبين يتمتّعون بالقوّة البدنية والعقلية.
إن نجاح المشروع الإنكليزي ظهر سريعاً حين حققت المنتخبات العمرية نتائج مذهلة على مستوى أوروبا والعالم، ولذلك تكاد الكرة العراقية تعاني نفس معاضل الكرة الإنكليزية، إلا أن الأخيرة سبقت الزمن وغادرت فلسفتها ووضعت الحلول بكل جرأة فحصدت النجاح، بينما لم تزل حلول الكرة العراقية عقيمة ووقتيّة سرعان ما تنهار وتنكشف عورتها الفنيّة والإداريّة التي أدّت الى تراجع خطير أطاح بعرشها بين دول المنطقة وعليها باستنساخ مشروع (DNA) لكن بروح عراقية والتوجّه نحو الفئات العمريّة لتغيير الجينات الفنيّة لتلك الفئات باستقطاب مدرّبين على مستوى عالٍ يغرزون الفنون الحديثة لعلم كرة القدم المتطوّر، ويرتقون بفكر وإدراك اللاعبين نحو امتلاك القوّة البدنية والنفسية التي تتطلّع لتمثيل البلد وحصد الانجازات وصولاً الى توحيد اسلوب الأداء الفنّي بين منتخبات الناشئين والمنتخب الأول.
الخطوة تتطلّب تنازلاً عن الثقة بقدراتنا الفنيّة الحالية التي أصبحت بدائية وشُجاعة في التخلّي عن تأثير العلاقات الشخصية وإيماناً راسخاً في استلهام تجارب الآخرين وتطبيقها من دون خجل أو تردّد.
أذهبوا الى إنكلترا .. ستجدون الحل هناك!
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي
- تفاوت العقوبة بين من يمارس القمار ومن يتولى إدارة صالاته في التشريع العراقي