في خطوة غير مسبوقة طالب رئيس البرلمان العراقي بدفع 150 مليون دينار كتعويضات مترتبة على رئيس تحرير صحيفة المدى واثنين من صحفييها. وجاء الطلب الغريب في نص دعوى قضائية وجهها أسامة النجيفي إلى قاضي محكمة النشر والإعلام.
وقال النجيفي في الدعوى التي طالب فيها المدعى عليهم بالاعتذار الرسمي، إنهم اتهموا أعضاء مجلس النواب العراقي بالسرقة.
وتدور فحوى الشكوى حول تعليقات وتقارير ومقالات نشرتها المدى الشهر الجاري حول آلية البرلمان في إقرار قانون لتخفيض رواتب أعضائه، والذي كما وضح في مناسبات عديدة انه لم يتوفر على التوازن ولم يتعامل بحيادية في ما يخص مخصصاته مقارنة بالامتيازات التي يحصل عليها مجلس الوزراء وأصحاب الدرجات الخاصة.
الدعوى تتعلق، أيضا، بمقال كتبه رئيس التحرير الأستاذ فخري كريم، تحت عنوان التعويل على البرلمان الحالي باطل، وفيها انتقد كريم الاستمرار على نهج المحاصصة والتشاحن والتدافع على المناصب.
ورأى رئيس تحرير جريدة الصباح عبد الستار البيضاني في حديث لـ\"المدى\" تصرف النجيفي جزءا من عدم تحمل الطبقة السياسية للرأي الآخر وعدم تحملهم الرأي الآخر، بالإضافة إلى افتراضهم سوء النية لدى الإعلام، مستدركا بالقول \"كان من المفترض بالطبقة السياسية سواء في البرلمان أو الحكومة أن تتعامل مع الإعلام كجهة ساندة لها والذي لا يعني بالضرورة المدح والتصفيق إنما إضاءة الطريق وإزالة الخفايا أمامهم وتنبيههم إلى الأخطاء، فيكون الإعلام عينا أخرى للسياسي كي يرى بوضوح\".
واعتبر البيضاني لجوء بعض السياسيين والمسؤولين في هذه الأوقات إلى القضاء، تكميما للأفواه وعدم سماع الرأي، منوها إلى أن العمل الإعلامي كفل للمسؤول والموطن حرية الرد، وبالتالي فمن حق المسؤول أن يرد وهي قضية قانونية، وهذا بدوره يخلق ثقافة ديمقراطية وسياسية تضئ الكثير من الزوايا للسياسي، مؤكدا أن توجه البعض لطلب غرامات مالية كبيرة يعد إقصاءً للإعلام في المشاركة ببناء العراقي الجديد.
من جانبه أعرب رئيس تحرير صحيفة العالم سرمد الطائي عن أسفه لان الوقت يمر دون أن تنشأ تقاليد صحيحة تحدد العلاقة بين السياسيين ووسائل الإعلام في العراق، مشددا على أن جميع الدعاوى التي أقامها السياسيون ضد المؤسسات الإعلامية خلال الفترة الماضية لو نظرنا إليها وفق الأعراف الصحفية الموجودة في العالم المتقدم سنجدها غير صحيحة وغير قانونية.
وأشار الطائي في اتصال هاتفي مع \"المدى\" إلى أن المسؤول الذي يرفع دعوى ضد وسيلة إعلامية يخسر جمهوره، لان الناس تريد أن تعرف وهي أيضا تعرف الواقع السياسي جيدا وبالتالي ستنحاز إلى الإعلام.
وتساءل الطائي \"كيف يقوم النجيفي بهذا التصرف وهو الذي يدعي بأنه ابرز منتقدي السلطة خلال الفترة الماضية؟\"، ويضف رئيس تحرير العالم: كنت أتمنى من النجيفي أن يقف مع كل نقد مهما كان قاسيا، لاسيما وان هذا النقد ترجمة للغضب الشعبي، وان يتعامل مع وسائل الإعلام بطريقة حضارية من خلال إرسال رد مكتوب وليكن قاسي العبارات وستنشره المدى حتما عملا بحرية الرأي كما فعلت مع أخيه اثيل النجيفي وبالنتيجة سيجد القارئ أمامه وجهتي نظر مختلفتين ترسي دعائم الحوار الديمقراطي، مؤكدا أن \"المدى\" ستربح القضية أمام جمهورها أما رئيس البرلمان فسيدرك في لحظة ما أن تصرفه غير صحيح، واختتم الطائي حديثه بالقول: \"لا مفر للسياسيين من التدرب على الإنصات إلى الصحافة وسماع صوت الاعتراضات والإجابة عليها بالطرق المناسبة\".
كان لدينا أمل كبير بالنجيفي في أن يكون متسامحا مع الإعلاميين هذا ما قاله رئيس تحرير جريدة الصباح الجديد اسماعيل زاير، موضحا أن الإعلاميين قاتلوا ومنذ سنوات في وضع تشريعات مناسبة ترتب العلاقة بين المؤسسات الإعلامية والسياسيين .
ويرى زاير \"كان من المفترض بالنجيفي بعث رسالة إلى صحيفة المدى يبين فيها وجهة نظره وبالتالي يكون هنالك تبادل للمعلومات\"، معربا عن استغرابه للمبالغ الخيالية التي يطالب بها السياسيون من مؤسسات إعلامية مستقلة تناضل بكل ما لديها من إمكانيات محدودة من اجل البقاء والحفاظ على استقلاليتها بعيدا عن سطوة التمثيل الخارجي والحزبي
وتابع زاير في حديثه لـ\"المدى\" خلال هذا الاحتدام من اجل انجاز التشريعات الخاصة بالعمل الصحفي، كان المنتظر منهم عدم اللجوء إلى هذه التصرفات.
وانتقد رئيس تحرير الصباح الجديد بشدة سياسة تكميم الأفواه التي ينتهجها بعض الساسة، مبينا \"من المفترض أن يكون البرلمان أكثر المتفهمين للدور الإعلامي ويساعد المؤسسات الصحفية على القيام بدورها الحقيقي \"
وأضاف زاير: ان المدى لم تكن الوحيدة في مواجهة هذا الموضوع فكثير من الصحف تعرضت إلى مثل هكذا مضايقات إلا أن القضاء يقول كلمته الحق دائما، مبينا \"إذا كانت التشريعات موجودة يكون الاحتكام للقانون أمرا جيدا إلا أن المشكلة في عدم وجود تشريعات إعلامية\".
الخبير القانوني طارق حرب قال إن الدستور العراقي أعطى لكل فرد الحق في رفع دعوى ويطالب بأي تعويض يريده، مستدركا بالقول \"العبرة تكون بالبراهين التي يقدمها أمام القضاء الذي يكون له السلطة التقديرية في الحكم وفق ما موجود من أدلة\".
وتوقع حرب أن تنتهي هذه الدعوى بالصلح وعدم إصدار حكم لان اغلب الدعاوى السابقة التي رفعت بهذا الصدد لم يصدر فيها حكم، واصفا تصرف النجيفي بأنه \"مباغضة ومغاضبة تنتهي بانتهاء وقتها\"، مشددا على انه في ضوء ما تقدم من ادعاءات لرئيس البرلمان فيبدو أنها ضعيفة وغير كافية للحصول على حكم ضد \"المدى\"
وكانت إحصائية غير رسمية كشفت أمس الأول وجود 62 دعوى قضائية موجهة من الحكومة إلى وسائل إعلام عراقية، في وقت اعتبرها مراقبون من اكبر التحديات التي تواجهها الصحافة العراقية.
وتشير الإحصائية إلى وجود نحو 62 دعوى بينها نحو 30 تطالب بتعويضات مالية من صحفيين في محكمة النشر والإعلام، تقدم بها جميعها أصحابها خلال الأشهر الخمسة الماضية. وشهد العام الماضي 117 دعوى 35 منها تطالب بتعويضات مالية.
وتجرى المحاكمات للإعلاميين في العراق في ظل قوانين شرعت إبان نظام صدام الذي اسقط في العالم 2003.
ورأى المدير التنفيذي لمرصد الحريات الصحافية زياد العجيلي أن \"المطالبة بمبالغ مالية خيالية أمر غير قانوني وغير دستوري\".
وأشار العجيلي إلى أن بعض الدعاوى تجاوزت حتى المطالبة بمبالغ مالية، وباتت تطالب بالإغلاق.
جدير بالذكر أن المعايير الدولية لحرية التعبير والصحافة تعارض دفع مبالغ مالية كتعويض في دعاوى النشر، وترى أن حق الرد ونشر الوثائق هو من يضمن الشفافية والمناخ الديمقراطي في قضايا الرأي العام، لكن السياسيين العراقيين لا يزالون قاصرين عن فهم هذه المبادئ ويلجأون إلى طلب تعويضات مالية لحل النزاع في السلطة الرابعة.
أقرأ ايضاً
- مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المشهداني
- رئيس مجلس النواب يجتمع برؤساء الكتل النيابية لمناقشة القوانين المهمة
- هدى سجاد تتحدث عن مليوني متقاعد بالعراق وعن جهات تقوم بادخال العمالة الأجنبية إلى العراق