مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر اجراؤها في شهر تشرين الاول المقبل، يرجح محللون في الشأن العراقي ان تؤدي النتائج الى سيطرة الاحزاب المشاركة في الحكومة الحالية مع بعض الاستثناءات وربما المفاجآت، متوقعين تشكيل تحالفين رئيسين من الاحزاب الشيعية والطرفين الكرديين الرئيسيين.
ويرجح محللون معنيون بالشأن العراقي أن تؤدي الانتخابات إلى نتائج مماثلة لنتائج انتخابات عام 2018، واستمرار سيطرة الأحزاب المشاركة في الحكومة حاليا، مع بعض الاستثناءات وربما المفاجآت، فيما تحدثوا عن حظوظ رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي في الحفاظ على منصبه لولاية جديدة.
في ظل المؤشرات الموجودة حاليا والتحركات المبكرة للقوى السياسية الحاكمة في البلاد، يعتقد الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، حارث حسن، أن الانتخابات المقبلة لن "تحدث تغييرا جذريا ولا استنساخا تاما للتجارب السابقة".
للحصول على آخر الاخبار تابعونا على تليغرام
ويضيف أن "مخرجات الانتخابات القادمة، من المؤكد أنها لن تكون منسجمة تماماً مع مطالب المحتجين، أو تأتي بدماء جديدة".
ويضيف حارث، أن "فرص القوى الجديدة التي أفرزتها الحركة الاحتجاجية، في حال افترضنا أنها ستشارك في الانتخابات، محدودة جدا ولا اعتقد أنها ستحقق اختراقا كبيرا".
وتحدث الباحث المختص في الشأن العراقي، حارث حسن، أيضا عن طبيعة التحركات التي تقوم بها قوى سياسية معروفة قبيل الانتخابات، وأشار إلى أن هذه التحركات توحي باحتمال عدم استنساخ الصيغ السابقة في تشكيل الحكومة.
من بين هذه التحركات، التقارب بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني وبعض القوى السنية.
في المقابل، هناك اصطفاف بين تحالف الفتح الذي يتزعمه هادي العامري، وبين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والاتحاد وقوى سنية أيضا.
ويقول حسن أن هذه المعطيات "توحي على الأقل أن هناك إمكانية لإعادة تجربة تحالفي الإصلاح والبناء في 2018، لكن هذه المرة برسوخ أكثر، أي أنها لن تكون شكلية وإنما ممكن ان تتطور وتتحول لتحالفات حقيقية".
وأشار في تحليل لمعهد "بروكنغز" للأبحاث، إلى وجود تحالف رسمي واحد حاليا من بين الأحزاب الحاكمة ويتمثل بـ"تحالف قوى الدولة الوطنية" الذي عقد بين رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم.
إما الائتلافات غير الرسمية المتوقع تشكيلها في مرحلة ما بعد الانتخابات، وفقا لصاحبة التحليل مرسين الشمري، فالأول بين الصدر وبرزاني، والثاني بين العامري والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة مشتركة من لاهور شيخ جنكي وبافل طالباني، بحسب الشمري التي أشارت إلى أنه من المتوقع أن ينضم إليهم رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي.
وأعلنت مفوضية الانتخابات العراقية في ايار الماضي إغلاق باب تسجيل الكيانات والأحزاب والكتل والتحالفات السياسية التي يحق لها المشاركة في الانتخابات المقبلة.
لكن بالمقابل ربما تكون التحالفات الحالية هشة وعبارة عن تفاهمات أولية وفقا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، إياد العنبر.
ويقول العنبر إن "المعطيات الموجودة على الأرض اليوم لا تؤكد أن التحالفات الحالية هي انتخابية وإنما هي عبارة عن محاولة لرسم خارطة طريق للتحالفات بعد معرفة أوزانها الحقيقية في الانتخابات".
ويضيف العنبر أن "خارطة التحالفات قد تكون هشة وعبارة عن تفاهمات أولية لا تعطي انطباعا أنه يمكن البناء عليها، أو ممكن أن تشكل تغييرا في المشهد السياسي أو إدارة التوافقات السياسية التي تنبثق منها الحكومة المقبلة".
ولم يغفل العنبر الدور الخارجي الذي يمكن أن يكون له تأثير في تشكيل التحالفات، لكنه أشار إلى أن هذا الدور "لا يزال غائبا عن مثل هكذا تحالفات لأنها غير محسومة لحد اللحظة".
لكن في النهاية يضع العنبر شرطين أساسيين لحصول تغيير حقيقي بعد الانتخابات، الأول "مدى إصرار الكتل السياسية الحالية في الانقلاب على منظومة التوافقات التي انتجت الحكومات الضعيفة في السابق".
والثاني "مدى قوة أو ضعف التدخلات الخارجية، التي كانت لا تسمح بقيام أي تحالفات جديدة قادرة على انشاء حكومة قوية في قبال معارضة قوية"، على حد قوله.
وأقر العراق قانون انتخابات جديدا في 2019 يفضل نظريا المرشحين المستقلين، وهي خطوة تهدف لتشجيع المرشحين الشباب المؤيدين للديمقراطية على الترشح. لكن قليلين منهم فعلوا ذلك حتى الآن، وآخرون قرروا الانسحاب بعد تزايد عمليات الاغتيال التي طالت ناشطين مؤيدين لحركة الاحتجاج.
ومذاك، دعا 17 تيارا ومنظمة منبثقة عن الحركة الاحتجاجية رسميا إلى مقاطعة الانتخابات المبكرة.
ويرى حارث حسن أن " قوى الاحتجاج تشكك بإجراء انتخابات حرة ونزيهة ومعظمها قررت المقاطعة، وهذا يعني أن أي مخرجات للانتخابات سيكون مشكوكا فيها خصوصا إذا ترافقت مع اتهامات كبيرة بالتزوير".
في المقابل، يقلل العنبر من تأثير "قوى تشرين" المرتبطة بالحركة الاحتجاجية على المشهد السياسي في العراق.
ويقول إن هناك نوعا من المبالغة والاندفاع السياسي بأن قوى تشرين يجب أن تشارك في الانتخابات، وإذا شاركت يمكن أن تؤثر"، مضيفا أن "العمل السياسي يحتاج إلى تراكمات، خاصة وأنك تتعامل مع قوى سياسية تقليدية تسيطر على جميع مفاصل الدولة والمجتمع وتمتلك السلطة".
ويتابع العنبر أن "المنافسة مع هذه القوى في الانتخابات ليس سهلا"، مستدركا بالقول: "ثورة تشرين هي خطوة أولى لتصحيح المسار المشهد السياسي الذي يعاني من الفشل والفوضى".
في أواخر 2019 شاركت مجموعات ضخمة من العراقيين في احتجاجات حاشدة تطالب بإزاحة هذه الطبقة الحاكمة. وقتل مئات المحتجين عندما فتحت قوات الأمن ومسلحون النار على المتظاهرين. واضطرت الحكومة في ذلك الوقت وكانت برئاسة عادل عبد المهدي للاستقالة.
بعد عدة أشهر تم اختيار مصطفى الكاظمي كرئيس وزراء مؤقت، وعد بمحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين وإصلاح قوانين الانتخابات، والحد من نفوذ الجماعات المسلحة.
لكن بعد مرور نحو عامين لم تحقق المحاكمات الخاصة بقتل المتظاهرين النتائج المرجوة منها. كما تبدو النخبة القديمة في سبيلها لتعزيز سلطتها بينما يشكو النشطاء من أن الحريات السياسية تآكلت أكثر فأكثر.
وفي مناسبات عدة، أكد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أنه لن يترشح للانتخابات وسيعمل على توفير أجواء أمنة لإجرائها.
ويوضح الباحث حارث حسن، أن "الكاظمي يشعر بأن التنافس في الانتخابات قد يؤدي الى وضع غير مستقر لأن بعض الأطراف ستنظر له كطرف سياسي يهتم بمصالحه وبالتالي قد يؤثر ذلك على نزاهة الانتخابات".
نقطة أخرى أشار إليها حسن وهي أن "الكاظمي فضل عدم الترشح لأنه لا يمتلك كيانا سياسيا قويا وواضح المعالم يمكن المغامرة به وخوض الانتخابات".
لكن ومع ذلك يعتقد إياد العنبر أن "الكاظمي قد يراهن على احتمالية عدم التوافق على مرشح يرأس الحكومة، وبالتالي قد تضطر القوى الفائزة لإعادة ترشيحه.. صحيح أنه احتمال صعب لكنه ليس مستحيلا".
في السياق ذاته نفى مصدر مقرب من الكاظمي صحة هذه التوقعات، وقال لموقع الحرة إن "الكاظمي لن يرشح وليست لديه أي خطة لولاية ثانية أو اتفاق مع أي جهة سياسية بهذا الشأن".
وأضاف المصدر أن "الكاظمي عازم على عدم خوض الانتخابات حفاظا منه على سلامتها ونزاهتها".
وكانت الحكومة العراقية قد اجلت إجراء الانتخابات العامة إلى العاشر من تشرين الاول المقبل، بدلا من موعدها الأصلي في حزيران 2022، استجابة لضغوط المحتجين المناهضين للنخبة الحاكمة، خلال مظاهرات نظموها ابتداء من تشرين الاول 2019.
وخلال انتخابات 2018 حصد تحالف "سائرون"، الذي جمع بين التيار الصدري والحزب الشيوعي وتكنوقراط مدنيين، المرتبة الأولى بـ54 مقعدا من أصل 329، وجاء تحالف "الفتح" ثانيا بـ47 مقعدا، بينما حل ائتلاف "النصر" ثالثا بـ42 مقعدا.
ونال الحزب الديمقراطي الكردستاني 25 مقعدا، كما حصد "تيار الحكمة" 19 مقعدا، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني 18 مقعدا.
أقرأ ايضاً
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)
- مع اقتراب موعده.. هل تعرقل المادة 140إجراء التعداد السكاني؟
- حل "ترقيعي".. خطة الداخلية لشراء الأسلحة تُنعش "سوق مريدي" ولن تجمع 2٪