في مثل هذه الأيام من شهر شعبان المعظّم لعام 1435هـ - حزيران 2014 أطلقت المرجعية الدينية ممثلة بالمرجع الديني الأعلى سماحة السيد السيستاني (دام ظله) فتوى التطوع للدفاع عن العراق أرضاً وشعباً ومقدسات.
وقد كان لهذه الفتوى المباركة التنوع الثري من الآثار الايجابية، التي فجّرت مكامن الايمان في قلوب الرجال فهبّ الآلاف شيباً وشباباً لتلبية النداء.. نداء العزة والكرامة والنخوة، وتحقق ما تحقق من دوي انتصارات وصلت أصدائها لأقاصي العالم، ليثبت العراقيون ان النداء الروحي والإيماني قد هزّ أركان الارهاب وزلزل الارض تحت أقدام عصابات داعش وصولاً الى تحرير كل الاراضي التي دنّستها أيادي الارهاب النجسة.
ولهذا فقد اخترنا ان نبحر في مختلف الآثار الايجابية التي خلقتها فتوى الدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته احياءً للذكرى السابعة لانطلاق هذه الفتوى المباركة فكان لقائنا مع د. السيد أفضل الشامي المتحدث الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة.
والذي يقول: "لقد شكّلت الاستجابة لفتوى الجهاد الكفائي تأكيداً لالتزام المسلم الذي يؤدي الفرائض والواجبات، من حيث انه المعني الأول بأخذ زمام الأمور ومجابهة التحديات التي اصبحت تهدد وجود بلدنا كدولة حيث لا مناص من النهوض للتضحية بالنفس والمال وكل ما من شأنه اعلاء كلمة الحق، خاصة وان مراجعنا الكرام قد بيّنوا ان موت المُرابِط في هذه الأزمة هو شهادة مؤكدة في سبيل الله، مهما كان نوع الخدمة التي يؤديها في مضمار الحرب والمجابهة الفعلية او الاسناد الاعلامي او الخدمي او المعنوي..".
ويتابع: "لا نغفل ان المعني الآخر الذي نقصد به بقية الاقليات الدينية والعرقية التي تتكون منها الفسيفساء المجتمعية العراقية قد قدمت كل ما تستطيع من التضحية بالنفس والمال في سبيل المساهمة بتلك الحملة المباركة لتطهير العراق، أما لإدامة زخم هذه الفتوى الجهادية يتطلب منّا كمواطنين عراقيين حريصين على سلامة بلدنا وكأتباع لأهل البيت (عليهم السلام)، المشاركة الفاعلة في بيان معاني هذه الفتوى والأسس التي انطلقت منها دفعاً لسوء الفهم لمن اختلطت عليه الأمور، ومجابهة محاولات حرفها عن مسارها الوطني والشرعي باتجاه طائفي مقيت لا يريده ولا يرتضيه اي عراقي شريف، فقد مرت مرجعيتنا الرشيدة بشتى الظروف العصيبة خلال الاعوام الفائتة ومنها حادثة تفجير مرقدي العسكريين (عليهما السلام) لكنّها لم تعلن الجهاد لأسباب عديدة ليس أقلها دفعاً للحرب الطائفية، أما عندما تعرضَ بلدنا الى هجمة خارجية شرسة عنوانها بداوة الجاهلية والارهاب والتطرف المدعوم من جهات تدعي الاسلام زوراً وبهتاناً، فلا مناص لأن يقوم كل فرد منّا بواجبه لمجابهتها استجابة لنداء الدفاع عن الارض والمقدسات".
أسباب انطلاق الفتوى وآثارها..
يتحدث الشامي عن دوافع فتوى الجهاد الكفائي وآثارها بقوله: "عندما صدرت الفتوى كانت دوافعها الدينية والوطنية واضحة، أما الدافع الديني هو أن العراق تعرّضَ الى هجمة استهدفت الأرض والعرض والمقدسات، لذلك فإن لدى الانسان المؤمن عقيدة حيث أعطى الله سبحانه وتعالى للإنسان رخصة كي يدافع عن ماله وأرضه وعرضه ومقدساته ولو كلّفهُ ذلك نفسه، وذلك الهدف كان واضحاً عندما أعلنت العصابات التكفيرية بأنها سوف لن تقف عند حدٍ معين؛ وإنما هدفها الاعتداء على العراقيين بشكل عام وبدأت بمدينة الموصل ثم المناطق التالية، والدافع الثاني، فهو وطني حيث أن المرجعية تنظُر الى العراق كوطن واحد بغض النظر عن ساكني هذه المنطقة أو تلك، لذلك عندما أصدرت هذا النداء وجّهته لأجل توجّه الناس للدفاع عن ارض العراق ومقدساته بغض النظر عن موقع المنطقة المعتدى عليها او طائفة معينة او شريحة معينة من المجتمع العراقي، فالنداء كان عامّاً لكل العراقيين، حيث وجّهت بأن على مَن يجد في نفسه القدرة على حمل السلاح عليه أن يلتحق، فكان النداء واجب كفائي للدفاع عن العراق".
المرجعية هي القوة المؤثرة الاولى في الأحداث
ويوضح "في حال النظر الى الواقع والجهة التي استجابت الى الفتوى نجد أنها أثبتت عدة أمور مهمة، منها ان المرجعية الدينية في العراق هي القوة المؤثرة الاولى في الأحداث، وهي التي تستطيع أن تدخل على المعادلة لتغيرها بشكل غير متوقع، حيث كان التوقيت الذي تم اختياره في تلك الفترة حرجاً جداً وملفت للانتباه بسبب الانقسام السياسي وبوادر الانتخابات الجديدة والحملات الإعلامية القوية الهادفة لفصل أبناء الشعب العراقي عن الحكومة والقيادات السياسية في البلاد، اضافة الى سوء العلاقة بين أبناء هذه المدن والقوات المسلحة التي كانت موجودة فيها ووجود المنصّات التي بدأت خلال عام كامل تعمل في هذه المناطق على تحريض الناس على القوات الامنية والدولة العراقية، لذلك كان التوقيت للأعداء توقيتاً دقيقاً وكاد أن يكون مدمراً، ولكن دخول المرجعية بهذا الشكل أربك كل الحسابات وأوجد خللاً في المعادلات التي وضعوها في مختبرات التخطيط والبحث..".
مشروع تقسيم العراق من المشاريع التي افشلتها المرجعية بفتواها
وينوه الشامي في حديثه عن مسألة تقسيم العراق الذي كان يهدد البلد في حينه قائلاً: "موضوع تقسيم العراق كان مخطط له بشكل كبير، وأنا كشخص عراقي متابع للأحداث أفهم وأقول أنه لولا دخول عصابات داعش وتصدّر الموقف لحصل تقسيم العراق، لذلك أتصور أن مشروع دخول داعش دمّر مشروع التقسيم من حيث القصد او عدم القصد، لأن تصدّر داعش الى الموقف باعتبارها عصابات جاءت من خارج الحدود لم يكن عملاً صحيحاً لتنفيذ المخطط، ولعلّ ارادة الله تعالى تدخّلت لتدمير هذا المخطط الذي كان يريد تقسيم البلاد، إذاً يتّضح أن الفتوى أثبتت قضيتين مهمتين كما قلنا، هما ثقل المرجعية في ادارة الأحداث والبلد بشكل غير محسوب بالنسبة للآخرين، والأمر الآخر المهم هو الاستجابة الكبيرة لأبناء العراق بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والمذهبية بشكل ملفت للانتباه، بحيث انهُ جعل الآخرين يعيدون حساباتهم بسؤال محيّر بالنسبة لهم وهو، كيف استطاعت هذه الأسطر التي أصدرتها مرجعية النجف الاشرف أن توحّد جميع من اختلفَ بالأمس لتجعلهم في اتجاه واحد وهو تحرير أرض العراق؟".
استجابة قلَبَت الموازين
من جانب آخر، إن الاستجابة الكبيرة للفتوى كانت مؤثرة جداً واستطاعت أن تُعيد بشكل كبير معنويات القوات العراقية - والحديث ما زال للشامي - بل استطاعت أن تسلّط الضوء على قوى كامنة لدى العراقيين قادرة على أن تقلب الموازين وتغيّر الأحداث لصالحهم ولصالح وطنهم، والنقطة المهمة في هذا الأمر هي ان هؤلاء الناس كانوا بحاجة الى قيادة نزيهة ومستقلّة يعتقدون بنزاهتها واستقلاليتها، لذلك أسرعوا في الاستجابة، وقد وردت في (مذكرات بريمر) حينما يُسأل عن الشخصيات العراقية ومن ضمنها السيد السيستاني، يجيب بما معناه أن السيد يمتلك عصا موسى في العراق، فبكلمة واحدة تخرج من مكتبه في النجف الاشرف قادرة على أن تطفئ اكبر احتقان طائفي في العراق، لذلك هم يدركون ما هي قدرة المرجعية وامكانيتها في التأثير.
الملبون للفتوى من وسط وجنوب العراق (حقيقة لن يستطيع احد ان يشوهها)
هناك قضية مهمة سيخلّدها التاريخ، تتمثل في أن المستجيبين للفتوى هم من غالبية أبناء الوسط والجنوب، في حين لم تكن عصابات داعش قد وصلت الى هذه الأماكن سوى في تفجير السيارات المفخخة بالأماكن العامة واستهداف المدنيين الأبرياء، فلم تكن هناك مناطق محتلّة من قبل هذه العصابات في الوسط والجنوب، وإنما خرج المتطوّعون من مدن آمنة وتركوا أولادهم ونسائهم وآبائهم وأمهاتهم، واندفعوا واثبتوا أنهم وطنيون من الطراز الاول، ولم يضعوا في حساباتهم إلا شيء واحد هو أن العراق واحد وان هذا البلد لابد من الدفاع عنه من شماله الى جنوبه، فقد دخل المحررون الى مناطق الأيزيديين في الموصل وحرروها ودخلوا الى مناطق في صلاح الدين والانبار والموصل، دون أن يفكروا بانتماءاتهم، وهذا دليل على أن أتباع أهل البيت في العراق وطنيّون ولا يمكن أن يزايد على وطنيتهم أي أحد".
القتال تحت راية العراق لا غير
ويؤكد على إشارة المرجعية الدينية الى أمر مهم "وهو أن يكون قتال المتطوعين المستجيبين للنداء تحت راية العراق، وتحت الانتماء الى القوات الأمنية العراقية، خشية أن تتطور الأحداث بما يجعل هذه القوات أن تُحسب يميناً أو شمالاً، لذلك هي كانت حريصة في كل نداءاتها بأن يكون القتال تحت اشراف وقيادة وادارة وتنسيق قوات الجيش العراقي والقيادة العامة للقوات المسلحة، وهذا ما شاهدناه من قوات الحشد الشعبي التي كانت تتحرك باستمرار وفق هذه التوجيهات والإطار الذي وضعته قيادة القوات المسلحة".
تقرير: حسين النعمة
أقرأ ايضاً
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"
- بعد نشر "وكالة نون الخبرية" لأبرز احتياجاته: مجلس كربلاء يشكل مجموعة لجان لمتابعة الملف التربوي في المحافظة
- سيارات "التاهو" في العراق.. سلطة فوق القانون ومخالفات بالجملة