حجم النص
بقلم: احمد الجنديل
اتصل بي أحد (الكتاب) ممّن أدمن على دفن رأسه في الرمال محتجا على مقالي (الكتابة بدم القلب) المنشور في جريدة الزوراء هذا الاسبوع، تحدث معي بلهجة مهذبة وبصوت دافئ وبأريحية عالية، أراد هذا (الكاتب) أن يوصل لي رسالة مفادها ان الاقلام ما زالت تكتب بطريقة مميزة، وان الوعي يقفز بوتيرة عالية، والاقبال على القراءة حقق نجاحا كبيرا، وان الدنيا ما زالت بخير.
انهيت الاتصال معه بطريقة أكثر تهذيبا، وباركت له صومه في هذا الشهر الفضيل، ودعوت له بالصحة والعافية.
هذا (الكاتب) الموقر كان يحدثني بلسانه، أمّا رأسه فقد دفنه بالرمال وهو يمارس الكتابة وفق السياقات المرسومة له والأوامر المرسلة اليه، دون معرفته ان الابداع الحقيقي هو الخروج عن المألوف وفق تصور شامل قائم على الوعي والوضوح وتحريك الساكن من اجل خلق حالة جديدة .
هذا الصوت الذي وصلني يتداخل ضمن موجة من الاصوات التي تعزف على وتر واحد وبنغمة واحدة وبإصبع واحد في عالم متعدد الأوتار والنغمات والأصابع، وهذا ( الكاتب ) يمثل ظاهرة أساسها الوهم الذي لا يعرف السؤال باعتباره مفتاح العلوم والمعارف، ولا يريد الاقتراب من الشك الذي يفتح له حقيقة ما يجري على أرض الواقع، ولم يراجع يوما التقارير الصادرة عن (اليونسكو) ليتأكد ان الوعي الذي يتحدث عنه رهين زنزانات الركود وسجون التقليد الاعمى وأسير المفاهيم المتخلفة، والنجاح المزعوم المقرون بالقراءة لم يحقق غير نتائج مخزية ومؤلمة، ونظرة سريعة على تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو يضعنا امام حقيقة العزوف عن القراءة التي القت بسوادها على المشهد الثقافي والفكري لعموم الوطن العربي، وان المواطن العربي يقرأ بمعدل ست دقائق سنويا بينما يقرأ الاوربي ( 200 ) ساعة سنويا ، وان معدل النشر في الوطن العربي (6500) كتاب سنويا، بينما يصل ( 102000) في امريكا الشمالية، وان ما يترجم في العالم العربي يشكل خمس ما يترجم في دولة اليونان على سبيل المقارنة، وان الكتب الأكثر رواجا في المكتبات العربية هي الكتب التي تتناول السحر الاسود وكيفية ارجاع (الزعلانة) الى زوجها، وكتب الموضة، والكتب التي تتناول التحضير لأكل الثريد والدولمة والباذنجان.راجعوا التقارير والاحصائيات والبيانات وعندها ستعرفون المستوى الذي وصلنا اليه في مجال القراءة.وراجعوا أيها السادة تاريخنا وارثنا ستجدون اننا امة كان الامر الالهي المنزل على خاتم الانبياء (اقرأ) وان ارثنا غني بكل صنوف العلماء والادباء والمفكرين الذين ساهموا في بناء حضارة يحسدنا الكثير عليها.