- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العِراق: التّشرينيّون والتّقليديّون.. صِراعٌ أم مُصالحة؟
بقلم: د. إحسان الشّمري
شَهِد عِراقُ ما بعد 2003، العديد من دعوات المصالحة بعناوين مختلفة وطنية وسياسية ومجتمعية، إلا أن تلك المبادرات، الرسمية أو غير الرسمية، لم تُحقّق أيّاً من أهدافها التي طرحت لأجلها، واكتفت بمؤتمراتٍ وخطاباتٍ ونقاشاتٍ وأوراقٍ غير مقروءة، وقد يعود ذلك إلى عدم توفّر المناخات المناسبة لهذه الدعوات أو لعدم وجود الثقة بمن يطلقها أو ضعف الآليات لتطبيقها أو أنها جاءت لغرض الاستعراض السياسي لمن يتبنّاها لا أكثر.
تشرين كانتفاضة، كانت ثورة مجتمعية ضد الخداع السياسي الذي مارسته القوى التقليدية بشعاراتٍ مختلفة على امتداد سبعة عشر عاماً، فالديمقراطية والهوية الوطنية ووحدة القرار والأرض العراقية ومحاربة الفساد والإصلاح والمصالحة والحوار والتعددية، كلها كانت مجرد تضليلٍ للرأي العام، فلم تتشبع هذه الأحزاب بثقافة الحوار مع الآخر، وكانت فلسفتها قائمة على المطلق الطائفي_الحزبي، وتالياً ركنت هذه القوى السلطة إلى العنف، كآلية رئيسة لاحتكار الحكم، لتزيد من مخاوف الشعب وتُضعِف إمكانية خلق بدائل سياسية.
إن تشرين، بما تُشكّله من أُطرٍ سياسية ومشروعٍ بديل، تُمثّل فرصةً للخروج من نمطيةٍ لم تنتج أي تحوّلٍ بسيط في مستويات الحياة، فضلاً عن أن الأداء السياسي لأحزاب سلطة ما بعد 2003، قد خلقت حقبةً أقرب للاستبداد المتعدد، فتم ترسيخ مبدأ التقاسم على حساب التنافس، وأُقصيت كل الإيديولوجيات والقوى الخارجة عن طاعتهم، لذلك كان وعي تشرين والنخبة تستشعر ضرورة وجود فلسفةٍ سياسية؛ جوهرها الديمقراطية وحرية العمل والمشاركة السياسية وإنهاء عملية تبادل الأدوار التي مارستها قوى السلطة ونزعة الانتقام الشخصية.
إن تشكيل قوى سياسية جديدة من قبل موجة تشرين السياسية، لن تكون مقبولة لكيانات الفساد والمحاصصة التي ستُعيد تموضعها رغم خلافاتهم العميقة بالضدّ من هذا التحوّل، لذا ستعمل على عدة مسارات لتركيع النضج السياسي الجديد أو تطويعه ضمن مشاريع عدّة، ومنها ما طُرِح مؤخّراً بضرورة العمل الموحّد بين القوى التقليدية السياسية وقوى تشرين المنخرطة بالعمل السياسي، وهذا يعكس المخاوف من فقدان أدوات ومنافع واستثمارات السلطة.
هناك تساؤلاتٌ حول حقيقة هذه الدعوات، هل هي للمصالحة أم هي وجهٌ من أوجه صراع الوجود السياسي للقوى التقليدية؟
على الأرجح وبحكم الأداء والتجارب السابقة؛ لا يمكن الذهاب إلى قناعة تامّة أو الوثوق بأن هناك تبدّل في العقلية السياسية التقليدية، فهي لاتزال تنظر للنظام السياسي على أنه حكرٌ لها، ومن ثم فإن القناعة بهذه الدعوات على أنها مصالحة لغرض تشارك ووجود جيل وعقول ونهج سياسي بديلاً لهم؛ هي قناعة اللامعقول.
لذا، فالقناعة التامة ربما هي أن هذه الدعوات- بالإضافة إلى تشكيل أحزاب الظل بعناوين تشرين- هي لغرض التضعيف السياسي للقوى الجديدة ومحاولة لإحباط وسحق أي شعور بالأمل بوجود جيلٍ يمكن أن يشكّل فارقاً بالأداء، لذا فهي دعوات لحسم الصراع لصالح القوى التقليدية.
لن يكون منطقياً أو مُبرراً للتشرينيين الاقتراب -تفاهماً أو تحالفاً قبل الانتخابات أو بعدها- من الثائرين ضدهم، فإذا ما فكرت هذه التشكيلات الجديدة بالحوار مع الأحزاب التقليدية، فسيكون ثمن ذلك باهظاً عليهم لأنهم سيكونون جزء من اللعبة ومعادلة السلطة، وسيفقدون ثقة الشارع العراقي وإمكانية التأثير والحصول على الدعم الانتخابي، كما أن الشارع لن يقف معهم مجدداً إذا ما قرروا الخروج بعد انتخاباتٍ قد تكون مزوّرة ولن تأتي بجديد. أما السيناريو الأسوأ للتشرينيين بعد استجابتهم للمصالحة: هو منح الشرعية لقاتليهم.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟