بقلم: حسـين فرحـان
ما هو المربع الأول وما هي حقيقته؟ أين يقع وما هي أبعاده؟.. لماذا يقع التحذير من عواقب العودة إليه في شأنٍ معينٍ من شؤون السياسة؟.. لماذا تم اختيار هذا المصطلح الذي يتضمن المربع دون غيره من الأشكال الهندسية الأخرى؟ هل تم اعتماده كاصطلاح إعلامي بناءً على مثال معين أم ضاعت حقيقة الاستعارة وتشعبت الآراء فيها؟.. وهل أنَّ كل عودة لهذا المربع في الشأن السياسي وفي شؤون أخرى تعد من الأمور المذمومة؟ العبارة تتخلل ما نقرأه أو نسمعه عبر وسائل الإعلام، وقد اتخذت شكلاً مناسباً لمعنى (العودة إلى البداية) لتصبح بذلك مفهوماً يحمل هذا المصداق لا غيره في ما يتعلق بالشأن السياسي الأكثر استخداماً له.
ولكن لو أمعنا النظر لوجدنا أنَّ استخدامه قد جاء في مجالات أخرى (اقتصادية واجتماعية ورياضية وغيرها)، بيد أنَّ ملازمته للسياسة وأوضاعها وشيوعه في مجالاتها ربما طغى على تداوله في ما ذكر من مجالات.
اختلفت الرؤى في أصل هذا المربع، فمن الناس يرى أنه مربع الشطرنج ويذكر حكاية الملك الهندي مع الحكيم الذي علمه لعبة الشطرنج فأراد أنْ يكافئه، فطلب الحكيم أنْ يعطيه حبة قمح على كل مربع في رقعة الشطرنج بشرط أنْ يتصاعد العدد وفق متوالية عددية معينة فوافق الملك من دون مراجعته للطلب ليكتشف أنَّ النتيجة ستكون كارثية وأنَّ حبات القمح في مملكته لن تكفي لمكافأة الحكيم، لكنه كان ذكياً، إذ اشترط على الحكيم أنْ يعدَّ حباته بنفسه، وبذلك أجبر الحكيم على العودة للمربع الأول.
رأي آخر يقول إنَّ المربع الأول هو المربع الموجود في ساحة لعبة البيسبول، إذ إنَّ أحد أساسات هذه اللعبة أنَّ اللاعب الذي يخسر الكرة يرجع إليه.
هناك رأي آخر يتحدث عن لعبة (الحية والدرج) التي يخضع فيها الارتقاء والهبوط إلى حركة الزهر وضربات الحظ، واسوأ ما فيها العودة للمربع الأول.
وأياً كانت الرؤى والاعتقادات بأصل التسمية فالنتيجة هي: أنها تعني العودة للبداية، بنمط اعتاد الناس على التحذير منه، إذ يُفهم منه التراجع لا غير، ولكنْ هل هناك أنماطٌ أخرى للعودة إلى المربع الأول قد يتمناها الإنسان، بحيث لا تنطبق عليه العودة المذمومة بنحو (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)؟
لأنَّ كثيراً من المربعات الأولى في حياتنا تكون بمثابة مرحلة رائعة من مراحلها ومغادرتها إلى مربعاتٍ أخرى جعلت من الحياة أكثر قساوة وحملت معها من الصعاب ما يجعل الشخص يحلم بالعودة إلى البداية، فمن ارتكب جرماً وحُكم عليه بحكم يتمنى العودة لمربع النقاء، ومن عاش اليتم وفقد الأحبة يتمنى العودة لمربع الألفة والاستقرار الأسري، ومن تقدم به العمر إلى أرذله يتمنى العودة إلى مربع الصحة وعنفوان الشباب، حتى البعض ممن هم على وشك مفارقة الدنيا يتمنى العودة وكما جاء في محكم التنزيل: “حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ..”.
فتمني العودة لمرحلة معينة ليس بالضرورة أنْ يكون مما يُحذر منه، وللعودة أنماطٌ مختلفة وإنْ كان بعضها مستحيلاً، ولا قدرة لأحدٍ على تنفيذها، وفيها أيضاً مما يمكن للإنسان معها تغيير طريقة حياته للبقاء في المربع المناسب أو مغادرته من دون أسفٍ عليه، وإذا كان الإعلام قد استخدم هذا الاصطلاح للسياسة وغيرها، فيمكن لنا أنْ نستخدمه لمراحل حياتنا أو نستخدم غيره فكل الطرق تؤدي إلى التعبير عن مرحلة كنا بها ولا يهمنا فيها شكلها الهندسي.
أقرأ ايضاً
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- الأولويّةُ للمواطنِ وليسَت للحاكم
- العراق وطن الانبياء ومسجد ومرقد الأولياء