كانوا مشتتين منسيين ينظر اليهم بنظرة متندية، انهم عاجزون او لا يدركون، وان كانت السنتهم وآذانهم عاجزة عن النطق والسمع لكن قلوبهم عامرة بالحب وعقولهم ممتلئة بحب الحسين عليه السلام، يريدون فرصة لاثبات ذاتهم وامكانياتهم، لقد فاتهم الكثير وما زال ينقصهم اكثر من حق ضاع منهم، فجاؤوا الى الحسين عليهم السلام ليجدوا ظالتهم واحتضنتهم العتبة الحسينية المقدسة، وجعلت لهم مركزا وتمويلا واثبتت الايام انهم لا يقلون شأنا عن المتعافين من الابتلاء الالهي، انهم شريحة الصم.
الصم والحسين
الصم اصبح لهم حضورا كبيرا في الشعائر الحسينية بعد تعريفهم بكل المسميات لما يتعلق بالحسين واهل بيته واصحابة ومجرمي جيش يزيد واحداث الطف فاصبحوا يتفاعلون معها، ولهم ستة مواكب يبذلون فيها الاموال بتكافل خاص بهم ويقدمون الخدمة للزائرين، ولا يختلف موكبهم عن باقي المواكب حتى وصل بذلهم الى ذبح ثلاث عجول وتقديم الطعام لالاف الزائرين، وقدم المركز الخدمة لهم عبر ايواء 100 اصم يوميا وتوفير المبيت والمنام ومجالس عزاء الخاصة بهم، والارشاد بالتقيد بالاجراءات الوقائية والصحية وتعفيرهم.
جمعية صغيرة
من الامية في امور كثيرة الى محو الامية والابداع في امور اكثر بهذه العبارة بدأ مدير مركزالإمام الحسين عليه السلام التخصصي للصم المترجم باسم شمران العطواني حديثه بالقول ان البداية كانت حين مجيئنا الى زيارة الاربعينية عبر جمعية بغداد للصم قبل ست سنوات وتضم اكثر 500 اصم بعد استقطابهم من خلال ظهوري في شاشة العراقية، لانهم مولعون بحب الحسين ولديهم عقيدة راسخة به لكنهم يحتاجون الى كثيرة من الامور لفهم القضية الحسينية، فنظمت لهم دورات قليلة بسبب الارهاب والوضع الامني حينها، فطرقنا باب العتبة الحسينية وكانت مبادرات كثيرة اسهم بها سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي من خلال تاسيس مركز تابع لقسم نشاطات العتبة الحسينية للصم وخصصت له بناية واثاث وملاكات عاملة واصبح مركزا رئيسا للاصم العراقي والوافدين من الدول العربية والاجنبية في العام 2016، ووضع برنامج متكامل لتعليم الصم على الدين وما يجري في مجالس العزاء والمسير والخدمة الحسينية باستيعاب كامل للقضية الحسينية، لان الاصم لا يفقه كثيرا ما هي قصة الحسين (ع)، وكوني مترجما للغة الاشارة واكتسبت الخبرة من استاذة اكفاء خارج العراق وتأكدت ان موضوع الدين الاسلامي وتعليمه للاصم بعمومه وجزئياته يعتبر امانة في عنق كل مترجم، وهو ما عملنا عليه من خلال استقطاب خطباء منبر ورواديد متميزين وترجمنا المحاضرات للصم واصبحت لهم معلومات واضحة عن القضية الحسينية.
حماية المغررين
وتطور المشروع بعد الحصول على فيديوات تبثها عصابات داعش الارهابية تغرر بالصم وتدعوهم للالتحاق بهم في الموصل وعرضت عليهم مبالغ خيالية وفرص عمل وهمية، فاخذ الشيخ عبد المهدي الكربلائي زمام المبادرة ووافق على اقامة هذا المشروع النبيل الذي وفر الحماية للصم ومنع استغلالهم من قبل الارهاب، وبدأت خطوات عملية لتطوير مواهب الصم حيث تم تأليف القاموس الاشاري الاسلامي العراقي للصم وهو الاول من نوعه في العراق بعد جهد استمر لمدة 30 شهرا ويحتوي على جودة علمية وفكرية وتقسيم صحيح واضافة مفردات وجمل مستنبطة من أراء الصم انفسهم بعد التصويت عليها، كما اقيم المؤتمر الدولي الاول للصم عام 2017 وتلاقحت فيه افكار الصم وثقافاتهم ووضع خطة للتعاون مع المراكز الدولية، وكذلك المشاركة في المؤتمر العربي لاول للصم وضعاف السمع في مصر، وتخرج اكثر من 30 مترجم للصم من المركز يعملون في المحافظات وتعين عدد منهم في مؤسسات حكومية، ونظمت دورات اخرى لعائلات الصم لتعريفهم المصطلحات العامة مثل ايام الاسبوع والارقام واسماء المحافظات، كما نظمت احتفالية لخمسين مقاتل من الصم في الحشد الشعبي وهي حالة قد تكون الفريدة من نوعها في العالم.
منسقين للصم
فلاح صلال خلف منسق الصم في المحافظات الجنوبية، وقصي محمد ساهي منسق بغداد اكدوا انهم يتحملون وزرا كبيرا في التعامل مع الصم ويقومون بنقل التعلميات والمستحدثات ويستخدمون التصوير لمقاطع فيديوية للتبليغ عن المؤتمرات او المهرجان او التجمع خلال الزيارات، ويؤكدون ان بداخلهم لهفة وحب وعشق للإمام الحسين عليه السلام وهو دافع حقيقي للعمل وتطوير حال الصم ويقومون بخدمة الزائرين ليلا ونهارا للقادمين من المحافظات في المركز والمواكب، وتقديم الاطعام والمبيت والنظافة والشاي للزائرين، وتعلمنا من الحسين عليه السلام ان نكون متواضعين ومسالمين نحب الخير للناس، وفي قضية الحسين نجد انفسنا اننا مهمين ولنا دور وغير مهمشين.
قاسم الحلفي - كربلاء
تصوير: صلاح السباح - محمد التقي
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)