- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
جدل اقتصادي محتدم بين البرلمان والحكومة
بقلم: د. نبيل المرسومي
ثمة رؤى متناقضة بين اللجنة المالية البرلمانية ووزارة المالية حول كيفية مواجهة الازمة المالية الحالية، فاللجنة تعتقد بأن المواجهة تتم من خلال تعظيم الإيرادات العامة، وخاصة في المنافذ الحدودية والجباية والمصافي وهي ترى بإمكان الحكومة الحصول على إيرادات غير نفطية تتراوح ما بين 45-60 مليار دولار سنويا من دون ان تشير الى ضرورة ضغط النفقات العامة، التي تمثل الجناح الثاني للإصلاح، فيما ترى الحكومة ان الإصلاح الاقتصادي عملية معقدة وصعبة وقاسية وتحتاج الى وقت لا يقل عن 5 سنوات في ظل الأوضاع السيئة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي.
وفي الوقت الذي تستسهل فيه اللجنة المالية الازمة الراهنة وتلخصها باجراءات حكومية معقمة ونظيفة وغير قاسية اعتمادا على تقديرات وتخمينات لا صلة لها بالواقع فمن المستحيل مثلا الحصول على إيرادات جمركية تزيد عن 10 مليارات دولار سنويا بمجرد اتمتة المنافذ وحوكمتها، لان الحجم الكلي للاستيرادات بحدود 37 مليار دولار منها استيرادات لمشتقات نفطية بقيمة 3 مليارات دولار معفاة من التعرفة الجمركية، فضلا عن ان كل استيرادات الحكومة والمستثمرين هي الاخرى معفية من التعرفة، كما ان هناك 344 سلعة اردنية لا تفرض عليها التعرفة فضلا عن ان 43% من السلع المستوردة الى العراق تبلغ التعرفة الجمركية عليها ما بين 0.5% الى 5% ولذلك ما يخضع للتعرفة الجمركية لا يتجاوز 20 مليار دولار، ومن ثم لن تزيد الإيرادات الجمركية السنوية عن 1.5 مليار دولار خاصة وان نصف هذه الإيرادات تذهب الى المحافظات التي توجد فيها المنافذ.
فضلا عن ان الازمة قد قلصت كثيرا من حجم الاستيرادات العراقية من السلع غير النفطية وخاصة المواد الانشائية.
كما ان اللجنة لا تدرك الفرق بين إيرادات المصافي وارباحها ولذلك تقول بان المصافي ممكن ان ترفد الموازنة بنحو 10 مليارات دولار سنويا وهذا كلام غير مقبول اقتصاديا لان ما يدخل الموازنة هو أرباح الشركات العامة وليس إيراداتها والفرق بينهما كبير جدا.
وتدرك الحكومة جيدا ان تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي في ظل بيئة غير مواتية سياسيا واقتصاديا وعلى وفق رؤى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سيؤدي الى تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية الكلية على حساب الأهداف الاجتماعية للفقراء، اذ ان الإصلاح الاقتصادي يتضمن عمليات تصحيح مؤلمة اذ يتفاقم التضخم والبطالة بإزالة ضوابط الأسعار وقد تتصاعد المعارضة السياسية لحزمة الإصلاح مع تفاقم حالة عدم التكافؤ في توزيع الدخول، اذ ان التدابير الخاصة بالإصلاح الهيكلي عادة ما تؤدي الى الانكماش في الناتج والعمالة والاستهلاك وقد لا يمكن تجنب هذه التكاليف الانتقالية الناجمة عن الغاء الدعم الحكومي للأسعار وتحرير سعر صرف العملة الوطنية او تخفيضها وتخفيض الرواتب والانفاق العام عموماً مما يؤدي الى تخفيض الطلب الكلي وتحقيق الانضباط في المالية العامة مع تكاليف اجتماعية باهضة.