- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل هناك طائفة من طوائف المسلمين احتكرت نصرة الإمام الحسين (ع) ؟
بقلم: نجاح بيعي
عبارة (إن الثورة الحسينية ليست مرهونة وحكر على طائفة معينة) لم تكن لتأتي من فراغ قط, ولم تكن لتنتشر اليوم بين الكتاب والمثقفين وعموم الناس على اختلاف مشاربهم حتى في المجتمعات الأخرى وتصمّ الأسماع إلا لسببين:
ـ الأول: معرفتهم المتأخرة بالإمام الحسين (ع) كإمام معصوم أو ثائر حر أو قائد فذ أو مُصلح عظيم أو سمّه ماشئت, وتعرفهم على مزايا شخصيته وسمو أخلاقه وعظيم فضائله ووقوفهم على أهداف ثورته الإصلاحية وحركته التصحيحية في الأمّة والمجتمع التي عمّت الأصعد كافة السياسية منها والإجتماعية والدينية والفكرية وغيرها, حتى كان (ع) بُغية كل مُريد ومرآة كل مفكر ومثال كل ثائر وأنموذج كل قائد وأنشودة كل حر وإمام كل موحد وعابد على مستوى البشرية جمعاء, وإلا لم يكن (ربما) لأغلب هؤلاء الكتاب والمثقفين أو عموم الناس التعرف على ذلك كله لو قدّر لهم ولنا العيش أو التواجد في زمنه (عليه السلام) أو في الأزمان التي تلته, بسبب نكوص الأمّة آنذاك وتسافلها وتخليها عن الإسلام وثوابته وتنصلها عن مسؤولياتها في إقامة الدين وإحقاق الحق أولا ً, ووقوعها فريسة سهلة للإعلام الضال والمُضل منذ أحداث (السقيفة) والإنقلاب على الأعقاب وتقاعسها حتى أردفتها دولة بني أمية المنحرفة ثانيا ً, فكانت النتيجة أن يُقتل سبط (نبيّ الإسلام) كخارجي عن الدين والملة, وتُساق حرائر أهل بيت النبوّة سبايا وتطاف بها البلدان, والأمّة (الناس) بالأعم الأغلب لا تعلم من أمر الحسين (ع) وحركته شيئا ً, بل تطوعوا كالعبيد يتبركون بأن ظفر بهم الحاكم العادل (يزيد ـ عليه اللعنة) بنظرهم بل ويحتفلون ويتبادولون التهاني حتى اتخذوا يوم ظفهرهم بقتل (السبط ـ عليه السلام) يوم فرح وعيد, وكان الإمام الحسين (ع) ذاته قد سجل للتاريخ فوصف حال الأمّة والناس خير وصف حينما قال خلال إحدى محطات مسيره الى كربلاء: ـ(إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا..إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا مُحصوا بالبلاء قل الديانون)(1).
ولك أن تعرف حال الأمة المأساوي آنذاك وتداركها وتسافلها بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) من ما كشفه لنا الإمام الصادق (ع) حينما قال: ـ(إرتد الناس بعد الحسين عليه السلام إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل و جبير بن مطعم، ثم إن الناس لحقوا وكثروا..)(2).
ـ الثاني: معرفتهم المتأخرة أيضا ًبـ(يزيد ـ لعنه الله) كحاكم طاغية ومتجبر مستبد, وكشخصية منحرفة وشاذة لا مثيل لها في التاريخ, من قبيل معرفة (الضد) و(الضد النوعي) لها. بمعنى أننا بقدر معرفتنا وتعرفنا على شخصية (يزيد) لعنه الله المتداركة والمتسافلة, نعرف بالمقابل شخصية الإمام الحسين (ع) المتعالية والمتسامية التي تقف على الجانب الآخر تماما ًوالعكس صحيح.
وهذا ما كشفه وأظهره لنا جليا ً الإمام الحسين (ع) بكلام له من تقابل الشخصيتين وتناظرهما كضدّين لا يُمكن أن يقربا أحدهما من الأخرى بأي حال من الأحوال, وذلك حينما قال (ع) لوالي المدينة (الوليد بن عتبة) بعد أن هدده المنحرف (مروان) بالقتل إن لم يُبايع (يزيد): ـ(إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، مُعلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أينا أحق بالبيعة والخلافة)(3). فالذي به الله فتح وبه ختم لا يُمكن أبدا ً أن يُقرن ويُقارن مع شارب للخمر وقاتل للنفس المحترمة ومُعلن بالفسق ومثله لا يبايع مثله قط.
ومن هذا نجزم ونقطع بـ(أن الثورة الحسينية ليست مرهونة وحكر على طائفة معينة), وليس هناك مَن يدّعي ذلك, وإن الإمام (ع) وثورته المباركة هي للإنسانية جمعاء لأنه ينطلق من الإسلام المحمدي الأصيل الذي هو أمنية البشرية جمعاء بالخلاص الدنيوي والآخروي, ولكن مع ملاحظة وبيان أن هذه القاعدة مرهونة بـ(أمرين) مهمين شكلا القلب النابض والمحرك للقضية الحسينية وديمومتها عبر الأجيال والعصور على نحو التكليف الشرعي وحمل المسؤولية, ولولاهما لم ولن ونتعرف وتتعرف البشرية شي عن الأمام الحسين (ع) عن ما جرى في طف كربلاء:
ـ الأول: وجود المعصوم متمثلا ً بالإمام علي بن الحسين(ع) ومن جاء بعده (عليهم السلام) ووجود بطلة كربلاء الحوراء (زينب) عليها السلام ومن معها من آل النبي (ص وآله)الذين شكلا الشطر الثاني المُكمل لنهضة الإمام الحسين (ع) ولسان حال حركته وثورته في الأمة لما بعد الإستشهاد في كربلاء, ولهما الفضل الأكبر والعظيم في تصدّع وتهشيم الآلة الإعلامية المضادة لدولة بني أمية وتعرية كذبهم وكشف زيفهم ونفاقهم للأمّة, وفي كلام الحوارء زينب (ع) في مجلس الطاغية يزيد خير دليل ذلك حيث انطلقت ثورة (التعريف) بالنهضة الحسينية والمظلومية الحسينية على لسانها, وما جرى بأرض كربلاء لتنطلق ثورته في الآفاق لا يصدها عائق أو تقف عند مكان أو زمان ولتنتقل عبر الأجيال حيث قالت : (أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا.. فوالله ما فريت إلا جلدك، ولا جززت إلا لحمك، ولتردن على رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته.. وسيعلم من سوى لك ومكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا..إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك وأستكبر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء..)(4).
وكذلك دور الإمام السجاد (ع) في كلامه لأهل الكوفة: (أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنا ابن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته وانتهب ماله وسبى عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات أنا ابن من قتل صبرا، وكفى بذلك فخرا..)(5).
ـ الثاني: وجود (الشيعة) الموالون الذين (جعلهم) الله ذخرا ً بعد أن أخذ منهم الميثاق للقيام بالمهام الجسيمة الواقعة على عاتقهم, وهو عهد معهود كان قد أخبر به الله تعالى نبيه (ص وآله) وهؤلاء (الشيعة) امتازوا بصفات بارزة مميزة لم تكن لتكون عند غيرهم منها:
1ـ أنهم بذلوا (مُهجهم) في الإمام الحسين (ع) وأهل بيت النبوة
2ـ وأنهم (وطّنوا) أنفسهم على لقاء الله تعالى أي وطنوها على الموت (6).
3ـ (غير معروفين) لدى فراعنة هذه الأرض وطواغيتها
4ـ (معروفون) عند أهل السموات
ومن المهام الجسام والمسؤوليات التي وقعت على عاتقهم:
1ـ (جمع) الأعضاء المقطعة والجسوم المضرجة على أرض طف كربلاء فـ(يوارونها) التراب
2ـ (نصب علم) لقبر سيد الشهداء (ع)
وعلى أن يتميز هذا العلم المنصوب على القبر الشريف بالميزات التالية:
1ـ لا يُدرس أثره
2ـ لا يُمحى رسمه على كرر الليالي والأيام
وببركة هؤلاء (الإمام المعصوم والشيعة الموالون) حفظ القبر الشريف ووصلت الشعائر الحسينية لنا ولولاهم لم نكن لنعرف لسيد الشهداء قبر أو نعرف عنه وعن نهضته شيء قط. فلا يتوهمنّ أحدا ً بهم ويتهمهم بالحكر في نصرة الإمام الحسين (ع) لأنهم نذروا أنفسهم ليكونوا القلب النابض لكل (دالة) على الحسين وثورته الإصلاحية.
وبالمقابل تستمر (المعركة) بين معسكري الحق والباطل ولا تقف عند طف كربلاء, فكما يجتهد أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محو وتطميس قبره الشريف ونهضته المباركة, تكون إرادة الله عزوجل نافذة وماضية بازدياد ذلك العلم المنصوب على قبره (ع) علوّا ً واستطالته ارتفاعا ً: (فو الله إنّ هذا لعهدٌ من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة، والجسوم المضرّجة، فيُوارونها، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يُدرس أثره ولا يُمحى رسمه على كُرُر الليالي والأيّام، وليجتهِدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلال في محوه وتطميسه، فلا يزداد إلاّ عُلوّاً)(7).
وأخيرا ً وليس آخرا ً.. فمع وجود هذين (الأمرين) الآنفي الذكر يدفعان ويُبطلان إدّعاء وجود طائفة ما بعينها تكون قد احتكرت نصرة الإمام الحسين (ع) كما يدفعان ويُبطلان منع الآخرين من ممارسة الشعائر الحسينية, والسبب هو أن استشهاد الإمام الحسين (ع) وثورته المقدسة والشعائر الحسينية إنما دلائل تدل على الإسلام الأصيل الذي بشر به رسول الرحمة الواسعة محمد (ص وآله) للإنسانية جمعاء: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون()هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (32ـ33 التوبة).
ــــــــــــــ
الهوامش:
ـ(1) تحف العقول للحراني ص ٢٤٥
ـ(2) بحار الأنوار للمجلسي ج ٧١ ص ٢٢٠
ـ(3) اللهوف لأبن طاووس ص ١٠
ـ(4) بحار الأنوار للمجلسي ج ٤٥ ص ١٣٣
ـ(5) اللهوف لإبن طاووس ص ٩٢
ـ(6) مثير الأحزان لابن نما الحلي ص 29
ـ(7) كامل الزيارات لابن قولويه ص261
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!