- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما أشبه اليوم بالبارحة .. سياسة الاستكبار الامريكي في العراق - الجزء الرابع
بقلم: د. محمد علي الجزائري
جرى الحديث في الجزء الاول والثاني والثالث من هذه المقالة عن الوسائل التي اتبعتها الادارة الامريكية في العراق للوصول إلى اهدافها الخبيثة من خلال حرب عام 1991 و 2003 وداعش الارهابي وما هي هذه الاهداف وما هي النتائج الكارثية على العراق وشعبه الناتجة من هذه الخطة الخبيثة. في هذا الجزء يتم الحديث عن ما يجب القيام به لمواجهة خطة الادارة الامريكية الخبيثة.
5- ما هو المطلوب
ان الحروب والحصار والهجمة الفكرية الشرسة لا يمكنها تغيير القيم الاصيلة والمباديء الثابتة لدى المجتمع الا اذا ما رافق ذلك خطة شيطانية تستغل الضروف الصعبة التي يمر بها المجتمع والقيام بتشويه القيم والمباديء السامية ومن ثم استبدالها بقيم اخرى دخيلة على المجتمع من اجل حرفه عن مساره الصحيح وجعله من دون وعي في خدمة اهداف ومخططات يضعها الاجنبي. ولغرض تحصين الجبهة الداخلية وبناء جدار صلب قادر على مواجهة مخططات الاعداء لا بد من العمل الدؤوب والجاد ووضع خطة تواجه جميع عناصر التخريب والتجهيل التي وضعها وشجع عليها المحتل الامريكي. ان من اهم ذلك هو التحدي الذي يواجهه الفرد العراقي والاسرة العراقية ومن ورائها المجتمع العراقي باكمله فمن دون بناء الانسان وتكوين الاسرة الصالحة يصبح امر تغيير المجتمع نحو الافضل امر لا جدوى منه. ومن هنا ينبغي :
- بناء الانسان : يتعرض الانسان العراقي الى ضغوطات نفسية مستمرة وشديدة والى تحديات تكاد تكون شبه يومية. وهذه المصاعب تمثل تهديدا حقيقيا للتركيبة النفسية للشخصية العراقية وتجعلها عرضة للاهتزاز والضعف ولا يمكن بناء دولة قوية بنفوس ضعيفة. ومن هذا الباب ينبغي العمل وبشكل فاعل وعلى جميع المستويات وبمختلف الوسائل في سبيل اعادة الفرد العراقي والمجتمع العراقي الى انسانيته وتأريخه واخلاقه وقيمه وعاداته وعكس عملية التغريب الفكري والاخلاقي والثقافي المستمرة منذ عدة عقود.
ان المواطن هو اللبنة الاولى لبناء الوطن ويجب اعطاءه حقه من الرعاية والاهتمام وتحسين حالته النفسية وروحه المعنوية وتقوية الشعور بالانتماء للوطن ليؤدي دوره في بناء العراق الحر والحفاظ على مكتسباته وحماية امنه. ولا يمكن الحصول على ثمرة اي جهد يبذل لتحسين الواقع العراقي في اي مجال (الامني, العلمي, الاقتصادي, السياسي, ....) من دون اعطاء الاولية للانسان وبناءه الفكري ومناخه الاجتماعي وبيئته العامة. ولذا يجب وضع الانسان في قلب اي خطة يتم اعدادها فهو ركيزتها الاساسية.
نشير الى ان العراق يعتبر حسب الامم المتحدة واحدا من اكثر البلدان الفتية في العالم حيث ان نصف عدد سكانه تقريبا هم دون الحادية والعشرين من العمر وهذا ما يدعوا الى التفائل بمستقبل زاهر فيما لو تم الاهتمام برعاية الجيل الجديد الرعاية الصحيحة وتوفير المناخ الاجتماعي والثقافي والتعليمي المناسب لهم وحث الجيل الناشيء وتشجيعهم وفسح المجال امامهم في تطوير ملكات الابداع والاعتماد على النفس ودعمهم معنويا وفنيا وماديا من اجل انشاء اعمالهم الخاصة في شتى مجالات العلوم والمعارف ودعم ذلك بالاعلام المرئي والمسموع.
- اصلاح المنظومة السياسية : نتيجة (اخطاء) سياسة المحتل الامريكي تم ايجاد نظام سياسي في العراق يعتمد على المعايير القومية والدينية والمذهبية والمحاصصة السياسية وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى دولة ضعيفة ينهكها الفساد وتتجاذبها الاطراف السياسية من كل جانب وغير قادرة على تقديم ابسط الخدمات للشعب وسمحت بالتدخل الاجنبي في شؤونها الداخلية والخارجية والغت مفهوم الوطن الواحد والعيش المشترك. ومن دون الغاء هذه المحاصصة الطائفية التي فرضها المحتل الامريكي سيبقى العراق في صراع داخلي ينتهي إلى التجزئة والتشرذم. وللتخلص من هذا المأزق الذي يعاني منه العراق ينبغي اختيار النظام الرئاسي المبني على اختيار رئيس للجمهورية تقع على عاتقه اختيار رئيس للوزراء والوزراء ويتحمل مسؤوليته أمام الشعب ويلغى دور البرلمان. ولغرض مراقبة رئيس الجمهورية وعمل الوزارات يتم انشاء مجلس دستوري اعلى مكون من سبعة اشخاص يشرف على عمل الدولة ويقوم بتعديل الاعوجاج والانحراف عن الدستور.
- تفعيل القطاع الحكومي أم خصخصة الخدمات : ان هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة مستفيضة ليس مجالها الآن وانما نشير فقط إلى بعض النقاط وباختصار:
- اظهر فيروس كورونا الذي ينتشر حاليا ضعف الخدمات المخصخصة في الكثير من الدول ومن ضمنها الدول الغربية وامريكا وعدم قدرة المؤسسات المخصخصة على المجابهة الفعالة لاي أزمة كبيرة قد تواجه المجتمع.
- ان مفهوم الربح والخسارة يمثل الهدف الاساسي في تبني القطاع الخاص لاي مشروع سواء أكان خدمي أو غير ذلك ولا يمكنه بأي حال تنفيذ مشروع لا يتوقع منه فائدة مالية جيدة وهذا ما يتعارض كليا مع مفهوم الخدمة العامة لجميع المواطنين حتى في مجال الاعمال غير المربحة في الوقت الحاضر او بحسابات الربح والخسارة المادية فقط كون هذه الاعمال ضرورية لتطور وازدهار المجتمع.
- ان مشاركة الخصخصة في تقديم الخدمات الصحية في العراق كان أحد الاسباب في تدهور الخدمات الصحية في القطاع الحكومي وأدى إلى ارتفاع فاحش في اسعار العلاج والعمليات الجراحية مما حرم شريحة واسعة من الشعب العراقي من تلقي العلاج المناسب ودفع الميسورين منهم للعلاج في دول الجوار.
- ان مشاركة الخصخصة في مجال التعليم بجميع مراحله خلق تفاوت ثقافي واجتماعي وعلمي كبير ما بين أبناء المجتمع كما اضعف التعليم الحكومي. اضافة إلى ذلك لقد أدى التعليم الجامعي الاهلي إلى تخريج اعداد كبيرة من الخريجين من دون مؤهلات علمية رصينة مما زاد من اعداد العاطلين عن العمل من حملة الشهادات الجامعية.
- ان خصخصة قطاع الاتصالات والكهرباء وغيرها من القطاعات افقد الحكومة موارد مالية ضخمة كانت سترفد خزينة الدولة بعوائد مالية مستمرة ودائمة كما منع الحكومة من تنويع مصادر دخلها والاعتماد كليا على قطاع النفط الذي يتعرض للهزات بين فترة واخرى كما يحصل الآن.
ومما سبق فأن ثقافة المجتمع العراقي والثروات الطبيعية الكبيرة التي يمتلكها العراق وضرورة الاستفادة من العوائد المالية الكبيرة الناتجة عن الخدمات وضرورة تنويع مصادر الدخل الحكومي اضافة إلى واجب الدولة في توفير الخدمات الضرورية لجميع ابناء المجتمع يجعل من تطوير وتحسين أداء القطاع العام (الحكومي) أمرا ضروريا لا يمكن الاستغناء عنه.
- رفع مستوى التعليم : العمل الدؤوب على اعادة التعليم ولجميع المراحل الى مساره الصحيح في بناء اجيال المستقبل ومن هنا تأتي اهمية العناية باختيار البرامج الدراسية التي تعمل على بناء الإنسان وتطوير طريقة تفكيره وتشجيعه على العمل الابداعي في المجال الادبي والعلمي وتحسين السلوك الاجتماعي واحترام الوالدين والاخرين وحب الوطن والانتماء اليه. ويظهر في جميع المراحل الدراسية الدور المهم والاساسي للمعلم والمدرس والاستاذ الجامعي في اعطاء المثل الصحيح والقدوة الحسنة مما يدعوا الى الاهتمام ايضا بالكادر التعليمي الجيد والمخلص ورفع شأنه وتقديره. ويشير موقع الامم المتحدة في تقديمه للعراق الى ان المناهج التي عفا عليها الزمن واساليب التدريس والبنية التحتية الضعيفة تعيق كلها العملية التعليمية في كافة المراحل الدراسية في العراق.
- محاربة الفساد ومحاكمة المفسدين : ان الفساد عنصر فعال من عناصر الهدم والتخريب وعقبة كؤود لكل تطور وازدهار يمكن ان يسعى له المجتمع فهو عنصر كبح واعاقة لنمو المجتمعات وتدهور لجميع مرافق الحياة العامة في المجال الصحي والخدمي والصناعي والزراعي والتعليمي والامني. ان الفساد يصنع الطبيب القاتل والمهندس الفاشل والمعلم والمدرس والاستاذ الجاهل والقضاء المتحيز والعدل الظالم ويسمح بتدخل الدول الاجنبية في شؤون البلد وتنفيذ اجندتها الخاصة وتعريض الامن الوطني إلى الانتهاك والخطر.
ان القضاء على الفساد ومحاسبة ومحاكمة الفاسدين يفتح المجال واسعا أمام الاستفادة القصوى من الموارد البشرية والمادية المتوفرة في البلد واسترداد الاموال المسروقة والمنهوبة وتطوير وتنمية الاقتصاد وازدهار المجتمع في كافة القطاعات وتوفير الامن الوطني والدفاع عن الوطن ومصالحه ومنع التدخلات الاجنبية في شؤونه. ومن هنا تأتي ضرورة القيام وباسرع وقت ممكن من تطهير المؤسسات الحكومية كافة وخاصة العاملة في المجال القضائي والامني وحسن اختيار النزيهين والكفوئين لادارة شؤون الدولة بعيدا عن المحاصصة الطائفية والقومية والعرقية واحترام كرامة الإنسان ومعاملة جميع ابناء الشعب العراقي من مسؤولين سياسيين وغيرهم على قدم المساواة امام القانون والقضاء.
- دعم الاعلام الوطني : ان للاعلام دورا مهما وحاسما في التأثير على الرأي العام وفي بيان وجهات النظر والدفاع عن الحقوق المشروعة للوطن والمواطن وفضح الفاسدين والظالمين وهذا يستدعي العمل الجاد في خلق واعداد اعلام هادف وواعي وقوي قادر على القيام برسالته وواجباته المطلوبة منه ومقارعة الاعلام المعادي وتوفير جميع الوسائل والدعم والادوات الضرورية لعمله وتطويره.
- اعمار البنية التحتية وتوفير فرص العمل : يفتقر العراق إلى البنى التحتية الضرورية للاستجابة لاحتياجات المجتمع كما يفتقر إلى الكثير من المعامل والمصانع وورش العمل والمؤسسات الخدمية والانتاجية الأخرى الخاصة بصناعة وانتاج العديد من المواد الاستهلاكية اليومية او المطلوبة في مجالات الطب والصيدلة والزراعة والصناعة والتكنولوجيا والانشاءات والصناعات الغذائية وغيرها من المجالات المختلفة. ونتيجة لذلك فأن اعادة بناء البنية التحتية والسعي لتطويرها وتشغيل وصيانة المعامل والمصانع والمشاريع الزراعية المعطلة والقديمة وبناء الجديد منها بما يتناسب مع الحاجة والطلب الفعلي المتزايد عليها وعلى منتجاتها سيسمح بتوفير مئات الالاف وربما الملايين من فرص العمل التي يمكن للخرجين الجامعين والشباب العاطل عن العمل الاستفادة منها. كما بامكان الخريجين الجامعيين والحرفيين القيام بالكثير من الاعمال الخاصة وانشاء المشاريع الجديدة في مختلف المجالات بعد توفير التشجيع والدعم المالي والفني لهم.
ويأتي من مسؤولية الدولة توفير هذا الدعم للمساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد والاتجاه نحو الاكتفاء الذاتي وامتصاص البطالة وتوفير فرص العمل ويكون ذلك بالاعتماد على الكوادر العراقية المخلصة والكفوءة والدول الصديقة ومنظمات الامم المتحدة في اعادة هيكلة البنية التحتية للدولة في جميع المجالات الزراعية والصناعية والتعليمية والاقتصادية والمالية والصحية والعسكرية وتطويرها ورفع مستواها لتواكب ما من المفترض ان يكون عليه العراق في القرن الواحد والعشرين وانتاج ما يحتاجه الوطن والمواطن في كافة المجالات للوصول الى الاكتفاء الذاتي.
- محاربة الجريمة والمخدرات : ان الجهل والفقر وعدم وضوح المستقبل وفقدان الامل ونقص الثقة بالنفس وعدم تطبيق القانون بالعدل والمحاصصة الطائفية والفساد الاداري ووجود المفسدين في بعض مفاصل الدولة ساعدت بشكل كبير في انتشار الجريمة وفساد الأخلاق والاعتداء على الحرمات وانتشار ظاهرة تعاطي الخمور والمخدرات والاتجار بها في أوساط الشباب العراقي. ولغرض الوقوف في وجه هذه الظواهر الغريبة عن المجتمع العراقي يجب العمل بجدية على الجانب التربوي وتوفير فرص العمل والتخلص من المحاصصة الطائفية والفساد الاداري والمفسدين وتطبيق القانون بحزم على الجميع بدون استثناء.
- الاهتمام بموضوع التلوث باليورانيوم : مطالبة جيش الاحتلال الأمريكي والانكليزي بالكشف عن الكميات الحقيقية والمواقع التي تم قصفها بالقذائف الحاوية على اليورانيوم المنضب وعلى المعلومات التي تمتلكها والدراسات التي قامت بها لمعرفة تأثير المواد الضارة التي استعملت في الحرب وبالاخص اليورانيوم المنضب على الصحة الانسانية والبيئة العراقية. يجب الاشارة هنا إلى ان نصف الحياة المشعة الطويلة جدا لليورانيوم (4,5 مليار سنة) وانتشاره في جميع مكونات البيئة العراقية يجعل منه مصدرا مهما ودائما للتلوث الاشعاعي في العراق ويدعوا الجميع للاهتمام بهذا التلوث الفتاك على الصحة البشرية بشكل جدي وفعال.
- محاسبة برنامج النفط مقابل الغذاء ولجنة التعويضات : لقد أثبتت التحقيقات العديدة ومن ضمنها تحقيق الامم المتحدة نفسها بوجود فساد مالي وتبذير لاموال الشعب العراقي ضمن هذا البرنامج وخاصة في عمل لجنة التعويضات التي اشرفت عليها الامم المتحدة بالكامل. وقدمت اللجنة وهي لجنة مستقلة تقريرها عام 2005 وهو مكون من (2000) صفحة وكانت برئاسة بول فولكر (Paul Volcker). وخلص التقرير إلى وجود فساد وتلاعب بالاموال العراقية واتهم ما يقارب (2500) شخصية وشركة عالمية تنتمي لحوالي (30) بلدا بالتورط في هذه الفضيحة المالية. ولذلك ينبغي اعادة فتح هذا الملف ومحاسبة المقصرين واسترجاع الاموال التي نهبت ظلما.
- طلب التعويضات : ينبغي دفع وتشجيع ومساعدة الاشخاص ومنظمات المجتمع المدني والحكومة على القيام بالعمل بشكل جدي ومتواصل في طلب التعويضات المادية والمعنوية من جميع الاطراف والحكومات وبالخصوص امريكا وبريطانيا التي شاركت وساهمت في تدمير العراق وخراب بنيته التحتية وتلويث بيئته وقتل الانسان فيه وتحميلها المسؤولية القانونية الكاملة وتبعات هذه المسؤولية الانسانية والصحية والاقتصادية. وينطبق هذا الامر ايضا على الدول والمؤسسات والافراد والجهات الداعمة للارهاب والمجموعات الارهابية وبالخصوص السعودية ودول الخليج العربي وضرورة مطالبتها بالتعويضات المادية والمعنوية عن جميع المجازر والجرائم والاضرار التي نتجت وتنتج عن هذه الاعمال الوحشية.
أقرأ ايضاً
- حماية البيانات الشخصيَّة
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته