- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
القرية والمدينة في المنظور الإسلامي / 1
بقلم : عبود مزهر الكرخي
القرية في اللغة هي ما يُعبر عن أي مكان تتصل به الأبنية وتُجمع قُرًى وقَرْيات(1)، ويمكن تعريف القرية بأنها مجتمع صغير يتكون من مجموعة من المنازل الواقعة في منطقة ريفية [٢]...
جاء في التعريف الاسلامي للقرية انها مجموعة من الابنية متصلة مع بعضها اما المدينة فهي وقد قيل: المدينة هي الحصن، وكل أرض يُبنَى بها حِصْنٌ في وسطها فهو مدينتها، وتجمع على: ( مُدُن ) بضمتين، و ( مُدْن ) بضم فسكون. وتجمع أيضًا على: ( مَدائن )، وأصلها: ( مداين )، همزت الياء ؛ لأنها زائدة، ومنها قوله تعالى:{ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}(3)
وعموماً المدينة هي لها اختلافات عدة مع القرية حيث تمتاز المدينة بالحضارة وكثرة السكان وتنوع الناس فيها وحتى الأديان بعكس القرية التي تكون اغلبها من نوع واحد من الناس من ناحية الدين والحضارة وحتى النسب . وهذا التعريف هو يمثل الخلاصة وزبدة مفهوم القرية والمدينة وآثرنا الإيجاز وعدم الاطالة والدخول في تفرعات جنابية للمقالة التي نحن بصددها.
ولكن في موضوع مقالنا نلاحظ ان القرآن الكريم يصف المدن الكبيرة بالقرية مع انها يوجد لديها تعداد سكاني كبير وتقدم حضاري كبير مثل كالحضارة البابلية ممثلة الذي فيها حمورابي ومسلتها المعروفة عبر التاريخ وكذلك نبوخذ نصر وبناءه الجنائن المعلقة والفراعنة من امثال خوفو ومنقرع ورمسيس ونفرتيتي وبناء الاهرامات وأهل مدين والحضارة المتقدمة التي بنيت في تلك المدن وغيرها من تلك المدن الكبيرة ولكن نلاحظ انه تم وصفها بالقرية جاءت الآية التي ذكرت في كتابه الحكيم {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}(4).
ومن هنا كانت تلك الحضارات عظيمة وفيها مدن كبيرة ولكن وصفها الله بالقرى في عدة آيات من كتاب الله الحكيم وخصوصاً في التدمير كقوله جل وعلا {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا}(5).
لأنها حضارات بنيت على استعباد الناس فكان (10 %) يمثلون فيها مراكز القوى والمال وتم بنائها على حساب ظلم الناس واذلالهم وقهرهم وغياب الرحمة والانسانية التي ينادي بها الله سبحانه وتعالى والإسلام فجاء قول الكتاب الحكيم يقول {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}(6) وليكون اصحاب المال والنفوذ هم اول الظالمين ويدمروا قراهم او مدنهم كأمثال هامان وقارون والنمرود حيث يقول الله جل وعلا {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}(7).
ولهذا كان الله سبحانه جل وعلا في وصف عباده والتجمعات السكانية في كتابه الحكيم وليميز بين العدل والظلم. ومن هنا يقول الباحث د .علي كيالي والجواب على هذا الكلام ، أن قوله هذا منقوضٌ بقوله تعالى { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا }(8).
لأن إطلاق اسم (قرية) على مكة في هذه الآية، إنما كان في وقت كانت فيه مكة يسكنها مجتمع غير متجانس؛ فكان فيها مسلمون مستضعفون، ومشركون ، وكان الفريقان يعيشان معا في مكة .. ولو صح كلام الكيالي لكان ينبغي أن تكون الآية ( ربنا أخرجنا من هذه المدينة الظالم أهلها ) .. قال الكيالي في سياق هذا الاستدلال: سمَّى القرآنُ مكة (بالقرية) . ويثرب (بالمدينة) وهي لا تساوي ربع مكة من حيث المساحة وعدد السكان .."(9).
ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى مكة قرية لأنها صحيح حاضرة وكبيرة وفيها من التنوع العرقي والديني ومن اجناس شتى والناس يحجون اليها من كل صوب وهي تمثل العصب الاقتصادي للجزيرة عموماً، لكن يلاحظ الظلم فيها كان واضحاً مضاف اليه الاستعباد من قبل مشركي قريش وكفارها وسيطرتهم على العصب الاقتصادي لمكة ومن قبل حفنة ظالمة جهولة من أمثال ابو سفيان وابو جهل وأبو لهب والمغيرة وغيرهم. ولهذا كان فيها العدل والمساواة غائباً بالمرة ولم يكن هناك مجتمع إنساني تسود فيه قيم العدالة والمساواة والرحمة ولذلك أمر رب السماوات والأرض بأن يخرج منها نبيه الكريم محمد(ص) هو واهله والمسلمين لأنها قرية ظالم أهلها وتلقى فيها نبي الرحمة والمؤمنين من صنوف العذاب والظلم والقهر مايفوق الوصف والعقل وليدخل قرية هي يثرب هي تمثل ربع سكان المدن الكبيرة مثل بابل وحضارة الفراعنة ومدين وحتى مكة ولتصبح المدينة المنورة التي سماها الله سبحانه مدينة. والتي سنأتي في جزئنا القادم السبب في أطلاق هذه القرية يثرب أسم مدينة أن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ "تعريف ومعنى القرية في معجم المعاني الجامع "، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-30. بتصرّف.
2 ـ "village", www.dictionary.com, Retrieved 2018-3-30. Edited.
3 ـ [الشعراء :53 ].
4 ـ [الكهف : 59].
5 ـ [الطلاق : 8].
6 ـ [الحج : 48] .
7 ـ [الإسراء : 16].
8 ـ [ النساء : 75 ].
9 ـ راجع من الرد على: د .علي كيالي في الفرق بين القرية والمدينة في القرآن. موقع رابطة العلماء السوريين. مقال منشور بتاريخ الاثنين 3 ذو القعدة 1439 - 16 يوليو 2018.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)