محمد جواد الميالي
أتذكر جيداً عندنا كنت طالباً في الإبتدائية، كانت معلمة التاريخ دائماً ما تمجد بحضارة العراق، حتى يبدأ طلاب الصف بتخيل أننا نعيش في المدينة الفاضلة، لكن ما أن يدق جرس الإستراحة، حتى نصحوا من أحلامنا، على واقعنا المظلم في زنزانة البعث المجرم.. وما يهون الخطب أننا كلنا داخل هذه الزنزانة (الوطن).
إنتهت حقبة الدكتاتور وبدأت التجربة الديمقراطية، ورغم عدم نضوجها إلا أنها لا تقارن مع نظام البعث الفاشي، ومع وجود الطائفية إلا أن الكل تيقن أننا كلنا شركاء في هذا الوطن، عربا أم كرد، مسلماً أو مسيحيا..
لايمكن لفئة أن تحدد مصير هذا الشعب، إلا بتوافق كل أطيافه، ولا يتحقق هذا الشي، سوى عن طريق الأصابع البنفسجية وصناديق الإقتراع، عندها الكل سيكون مشارك في تحديد مصير هذا الوطن.
أحتجاجات تشرين التي تزامنت أنطلاقاتها مع لبنان وتونس.. كان العامل الماكر فيها هو الإعلام، حيث في يوم 25 منه، كانت القنوات تصور للعالم أن العراق كله قد أنتفض ضد الفساد، لكن الغريب أنك عندما تخرج، تجد الأسواق تعج بالمتبضعين والشباب تملئ ساحات كرة القدم و أزدحام الشوارع لم يتغير، فالمركبات ما زالت تسير وتزداد..
هذا يعني أن هناك من خرج مندداً بالفساد، والبعض جلس يؤازرهم من بيتهِ "وهو أضعف الإيمان" لكن لنحدد الجمهور المتظاهر، حتى نحدد إن كانت عبارات "ماكو وطن ماكو دوام" وشعارات إقصاء الأحزاب الشيعية، تعبر عن كل العراق؟
أولاً مناطق شمال العراق.. الكرد لم يبرحوا مكانهم، ولم يتظاهروا نهائياً، والحياة تسير بكل انسيابية فيها، وهم جزءاً من هذا الوطن!
ثانياً جمهور المناطق السنية، الذي عبر عنه قادة السنة بأن موضوع التظاهرات لايعنيهم، بسبب الوضع الهادئ في مناطقهم، لذلك ما برحوا مناصبهم، بينما برر ساسة الغربية، أنهم لا يستطيعون التظاهر خوفاً من تغلغل داعش فيما بينهم!
ثالثاً جمهور المناطق الشيعية، الذي إنقسم محاور، أتضحت آخرها عندما نزل بعض من أتباع الفتح في تظاهرات حاشدة في بغداد، ضاعت بينهم المجاميع المتظاهرة في التحرير، ويصنف الجمهور الشيعي إلى:
أولاً المجموعة المسالمة، نصفها الأول لم يشارك في التظاهرات، والثاني ترك سوح الأحتجاج، بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها، كجريمة الوثبة الشنعاء..
ثانيا جمهور الأحزاب والتيارات الشيعية، الذي كسر حاجز الصمت عندما خرجت تظاهرات الفتح لتتظاهر، والذي أثبت أن قواعد الأحزاب الجماهيرية مازالت باقية على ولائها.
ثالثاً المتظاهرين الذي يمتزج فيهم المتحزبين، فالجمهور المحتج فيه العديد من أصحاب القبعات الزرق وولائهم معروف، وكذلك الشيوعيين والمدنيين، وثلةٌ قليلة جداً من المستقلين.
الحل الوحيد يكمن في أجراء إنتخابات مبكرة، وفق قانون عادل ونزية، ليحدد شعبنا مصيره، لكن ستكون المفاجئة صادمة للجميع، لأنه حسب المعطيات أعلاه فأن التغيير داخل قبة البرلمان الجديد، لن يكون بنسبة كبيرة، لأن غالبية الشعب لديه إنتمائات سياسية، والتغيير المنشود لن يحدث إلا بعد تجربة القانون الجديد، لأنه سيزيح أقنعة الفساد عن غالبية الأحزاب، وسيقتل إشاعة أن الحكم للشيعة فقط، فهم نصف شعب.. وربما أقل.
أقرأ ايضاً
- ما يميز ثورة عاشوراء خمسٌ على الأقل
- أيهما أقل ضرراً: ترامب أم بايدن؟
- ليلة النصف من شعبان ظاهرة إيمانية