- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قمة مجلس التعاون الخليجي الاربعين ودوامة الخلافات
بقلم: محمود الهاشمي
تعد ازمة سحب المملكة العربية السعودية ودولة الامارات والبحرين لسفرائها من الدوحة المؤشر الاكبر والعلامة الفارقة في طبيعة الخلافات المتجذرة بين دول مجلس التعاون الخليجي، بالشكل الذي اعده الخبراء في شان الخليج من اهم الخلافات التي عصفت بهذه المنطقة بالسنوات الاخيرة فيما اوشك ان يهدد منظومة مجلس التعاون بالانفراط.
ان الخلافات "الخليجية-الخليجية" ليست بظاهرة جديدة، فمن المعلوم ان هنالك العديد من الاختلافات في وجهات النظر، وقد يبقى جزء منه سرياً فيما يظهر الآخر الى العلن، والقسم منه يحمل القدم مثل الخلافات على الحدود والتنافس بين الاسر الحاكمة واختلافات دول المجلس في سياساتها الخارجية وعدم توافق الرؤى في تحديد المصالح والتهديدات الامنية، وكذلك الموقف من الدول التي شملها "الربيع العربي" حيث وقعت بين امرين الاول ان تحصن دولها من "هذا الربيع" والثاني ان تقف في وجهه، ناهيك عن الخلاف الاهم في التعاطي مع "المقاومة" وتصاعد مدها ضد الكيان الصهيوني والتي تحولت في بعدها العسكري والسياسي الى قوة فاعلة ومؤثرة، مدعومة من قبل الجمهورية الاسلامية في ايران، ومالها من تاثير على الخارطة الجيوسياسية في المنطقة خاصة، وان ايران تملك عمقاً استراتيجياً سواء على المستوى الشعبي او الجغرافي في اطلالتها الطويلة على مياه الخليج والمحيطات.
لاشك ان "التحامل" السعودي ضد ايران لم يجد صداه في اجواء مجلس التعاون الخليجي، فقد استشعرت دول المجلس ان السعودية قد ذهبت بعيداً في عدائها لايران، وان الاخيرة لم تعد رقماً سهلاً في المعادلة السياسية والدينية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة، وان التعاون معها والتنسيق يمثل عنصراً مهماً في ادارة دول المنطقة.
ادركت دول مجلس التعاون الخليجي ان العلاقة مع الولايات المتحدة لم تعد مضمونة، وان الظرف الذي تمر به امريكا ومن مشاكل داخلية وخارجية جعلها ترى في دول المجلس مجرد مخزون مالي للنهب والابتزاز، كما استشعروا –تماماً- انها لم تقف معهم في (حرب الناقلات) ولا "المراكز الاقتصادية" وربما تصريح ترامب "لم تعد منطقة الشرق الاوسط من اولوياتنا ولسنا بحاجة الى نفط الخليج" قد اقلقها كثيراً وحاولت الذهاب الى روسيا والصين، ولكنها رحلة متأخرة.
شهدت العاصمة الرياض يوم الثلاثاء الموافق ١٠/١١/٢٠١٩ انتهاء القمة الأربعين لمجلس التعاون الخليجي، وصدور بيان ختامي!
البيان الختامي لم يشر الى ايران كما ارادت السعودية، وكما أراد الملك سلمان في كلمته التي حشاها بالعداء والتحريض على ايران محملا إياها مسؤولية (تقويض الأمن) و (دعم الإرهاب). مطالبا دول الخليج والعالم (لوقف التدخلات وتأمين نفسها من صواريخها الباليستية)).
هذه القمة غاب عنها ثلاثة قادة من بين ستة!! وهم ملوك وأمراء قطر وعمان والإمارات، ولاشك ان غياب كل منهم يحمل سببه!
فهذه الدول الثلاث لها ملاحظات كثيرة على السياسة السعودية، وخاصة قطر التي شهدت مقاطعة خليجية بسبب الضغط السعودي على دول مجلس التعاون، أما عمان فترى ان السياسة السعودية قد أزمت المنطقة وخلقت الكثير من الإشكالات وخاصة في الحرب على اليمن والتصعيد ضد ايران ودعم الإرهاب، فيما ترى الامارات ان السعودية عملت خارج الاتفاقيات في قضية اليمن!!
ان مجرد مطالعة البيان الختامي تجد ان الإنشاء غلب عليه وأنه ليس هنالك ادنى تفاعل مع التوجهات السعودية خاصة وان الجميع يعلم ان انعقاد هذه القمة جاء بضغط أمريكي لتهيئة الأجواء لصفقة القرن باعتبار ان دول الخليج مكلفة ان تدفع ٥٠٪ من نفقات هذا المشروع!!
لم نشهد اي تغطية إعلامية مناسبة من جميع وسائل الاعلام العالمية والإقليمية ولا حتى الخليجية باستثناء (الاعلام السعودي) باعتبار انهم الدولة المضيفة. وقد أكدت اغلب وسائل الاعلام على حجم الخلافات بين دول الخليج، فيما ما زال الاعلام الغربي يتابع عملية الشاب السعودي الذي اطلق الرصاص على ثلاثة من طلبة عسكريين أمريكان وقتلهم في احد معسكرات التدريب بولاية فلوريدا وجرح سبعة اخرين، وكان قد كتب على صفحته الشخصية قبل يوم من الحادث في التواصل الاجتماعي (امريكا دولة الشر)!!
يبدو ان قمة مجلس التعاون الخليجي قد اثبتت ان لا شيء قد تغير بالموقف، فلا المصالحة مع قطر قد تمت رغم الابتسامات والاستقبال ولا مع دول المجلس الأخرى، وان كلمات القادة الحضور باستثناء السعودية جاءت ((مقتضبة جدا)) ومحصورة بـ(أهمية تعزيز آليات التعاون بين دول مجلس التعاون).
لقد فقدت السعودية -تماما- هيمنتها وسطوتها على دول المجلس وباتت مجرد اسم في قاموس العلاقة بينهم، الى حد ان الرفض كان واضحا في عدم زج اسم ايران في اي تصريح، حيث ادركت دول المجلس ان ليس من الصواب اعلان الخلاف مع ايران!
كما لم يرد في بيانهم مايخص التظاهرات بالعراق ولبنان، وانتقاد حكومات هذه الدول باعتبارها تمارس (العنف ضد المتظاهرين) لان الحضور يعلمون ان ذلك سوف يحرض شعوبهم للمطالبة بالديمقراطية وحرية التعبير المفقودة في بلدانهم!!
لم تكن قمةً ولا مجلساً ولا تعاوناً ولا خليجيا، انه مجرد حضور رسمي لصفقة فيها تآمر على الامة وتطلعاتها.
كما عبرت عن حجم فقدان الثقة بين جميع الأطراف، حين لم تتم مناقشة اي ملف مهم بالمنطقة.