- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما بعد قرار محكمة العدل الدولية.. مجلس الامن على المحك: إما العدالة أو إسرائيل
بقلم: د. اسامة شهاب حمد الجعفري
من زاوية قانونية
هذه المرة القيمة الاخلاقية لمجلس الامن على المحك بشكل مباشر، فهو امام خياران لا ثالث لهما: اما ان يختار العدالة ويرفعها شعلة ويثبت اركانها بين شعوب العالم، او انه يُطفئ شعلة العدالة ويهدم اركانها ويهز الضمير الانساني.
وحراجة الموقف نابعة من ان النزاع المطروح امام مجلس الامن قد حُسم بقرار من محكمة العدل الدولية وقرارات هذه المحكمة "عنوان الحقيقة" وغير مطلوب منه بيان رأي او قرار حول القرار القضائي الصادر من هذه المحكمة التي تمثل الجهاز القضائي للأمم المتحدة وتتألف من خمسة عشر (15) قاضياً يمثلون جميع الحضارات والانظمة القانونية في العالم مشهود لهم بالصفات الخُلقية العالية والكفاءة القانونية. وقد اصدروا قضاة هذه المحكمة قراراهم بان اسرائيل تمتلك النية على الابادة الجماعية لسكان غزة الزامهابإيقاف هذه الجريمة ومعاقبة كل من ارتكبها وحرض عليها من قادة سياسيين او عسكريين او اعلاميين وغيرهم من المشاركين والمساهمين بها.
لا احد يستطيع القول ان الفقرة الحكمية لقرار محكمة العدل الدولية غير ملزم لاسرائيل, لانها انتمت الى الامم المتحدة بقرار رقم 273 في 11 مايو 1949 الصادرة من الجمعية العامة للامم المتحدة,والمادة (93/1) من ميثاق الامم المتحدة ينص على اعتبار جميع أعضاء "الأمم المتحدة" بحكم عضويتهم أطرافاً في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وان كل عضو من اعضاء الامم المتحدة ملزم بان ينزل على حكم هذه المحكمة في أية قضية يكون طرفاً فيها بموجب المادة (94/1) من الميثاق الاممي, وهذا يعني ان لهذه المحكمة الولاية الاجبارية على اعضاء الامم المتحدة, واذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلسأن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم بموجب المادة (94/2) من الميثاق.
ان النصوص القانونية الواردة في ميثاق الامم المتحدة تحاصر اسرائيل وتحاصر مجلس الامن بضرورة قيامها بتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية رضائياً خلال مدة شهر, وبخلافه فإن جنوب افريقيا لها الحق في اللجوء الى مجلس الامن بغرض التنفيذ، بل إن هذه المحكمة ملزمة بارسال قرارها الى مجلس الامن ليضطلع هذا المجلس بمهمة تنفيذ قراراتها واعطائها القوة التنفيذية على ارض الواقع وذلك وفق الفقرة (2) من المادة (41) من النظام الاساسي للمحكمة لتنفيذ التدابير المؤقتة التي تحافظ على حقوق الفلسطينيين من الابادة الجماعية في حال عدم قيام اسرائيل بذلك.
وان عدم قيام اسرائيل بالتنفيذ الرضائي لقرار المحكمة ووصول القرار القضائي الى دوائر مجلس الامن يخلع عليها صفة الخارجة على القانون الدولي الانساني وتهديدهاللسلم والامن الدوليين وهذا المركز القانوني لإسرائيل يدخل مجلس الامن في حرج كبير جداً, لان هذا الوصف القانوني يُلزم مجلس الامن لاتخاذ القرارات التي تعاقب اسرائيل وتجبرها للنزول الى قرار المحكمة.
اضافة الى ان مجلس الامن مكون من اعضاء دائميين بيدهم السلطة الفعلية لهذا الجهاز التنفيذي للامم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا حلفاء اسرائيل التاريخيين والداعمين لها بهذه الحرب ضد غزة من بين الاعضاء الدائميين، اذ قد يستخدم حق الفيتو منقبل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا لاجهاض قرار محكمة العدل الدولية.
ولكن هل من الناحية القانونية يمكن استخدام حق الفيتو داخل مجلس الامن لنقض قرارات محكمة العدل الدولية؟
اولاً حق النقض يستخدم فيما بين اعضاء مجلس الامن, اي ضد بعضهم وليس ضد قرارات محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيس للامم المتحدة, وثانياً: النزاعات الدولية هناك طريقتان للنظر فيها وفقاً للقانون الدولي.
الطريق الاول: طريق سياسي اذ يرفع النزاع مباشرة الى مجلس الامن من خلال الدول المتنازعة نفسها او من خلال الجمعية العامة للامم المتحدة, والطريق الثاني: طريق قضائي من خلال الدعاوى المقامة امام محكمة العدل الدولية التي تمثل الجهاز القضائي للامم المتحدة. اما الطريق الاول فلمجلس الامن صلاحية التقديرية بشأن النزاع وتدايبر حله، وهنا فقط يظهر حق الفيتو الذي يقرره المادة (27) من ميثاق الامم المتحدة. اما الطريق الثاني وهو الطريق القضائي فلا يملك مجلس الامن اي سلطة تقديرية لنقض قرار محكمة العدل الدولية، فلا خيار له سوى تنفيذ الفقرة الحكمية لقرار هذه المحكمة استناداً للمادة (94/2) من الميثاق، وصلاحيته فقط في اختيار كيفية تنفيذ قرار المحكمة.
غزة تمتلك النص القانوني واسرائيل تحاول فرض واقع غير قانوني، وللنص سلطة اقوى من الواقع ويصنع الواقع، واصرار اسرائيل على التشبث بالواقع يزيدها بعداً عن النص، وكلما ابتعدت اسرائيل عن النص يمنح غزة قوة قانونية واخلاقية تجبر مجلس الامن على ان يكون ضد اسرائيل، وهذه خسارة تاريخية لها ما بعدها خسارة قد تطيح بقيادتها السياسية واجراء تغييرات جذرية لقادة جيشها ومحاكمات دولية لهم الذي ينتهك اتفاقية منع الابادة الجماعية.
وهذا الموقف القانوني لاسرائيل بحد ذاته سيلقى بظلاله على مسيرتها ورؤيتها في الشرق الاوسط و على علاقاتها الدولية مع الغرب الديمقراطي وشعوب تلك الدول، انها مدانة بالابادة الجماعية وليست متهمة بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية.