- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية الدينية والمنعطفات الخطيرة
عادل الجبوري
تأريخيا، كانت المؤسسة الدينية في العراق، المتمثلة بالمرجعية العليا، حاضرة ومساهمة ومؤثرة في توجيه مسار الوقائع والاحداث عند المنعطفات الخطيرة والمحطات الحرجة، والقراءة السريعة للمسار التأريخي الممتد من تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 م، وحتى قبلها بعدة اعوام، وتحديدا منذ الاحتلال البريطاني للعراق عام 1914، وحتى ما قبل الاطاحة بنظام حزب البعث في عام 2003، تظهر، كيف تعاطف المرجعية الدينية مع احداث ووقائع كبرى، وكيف انها نجحت في تصحيح بعض المسارات الخاطئة، والمواقف المنحرفة.
ولعله بعد التاسع من نيسان-ابريل 2003، ذلك التأريخ الفاصل بين طوي حقبة النظام الاستبدادي الديكتاتوري، وانبثاق حقبة جديدة مختلفة الى حد كبير عن سابقتها، شهدنا مواقف تأريخية مهمة للمرجعية الدينية، المتمثلة باية الله العظمى السيد علي السيستاني، جنبت البلاد والمنظومة الاجتماعية العامة، ازمات خطيرة.
ويمكن هنا ان نؤشر الى ثلاث محطات مفصلية، كان للمرجعية الدينية، دور محوري فيها.
المحطة الاولى، تمثلت بقيام جماعات ارهابية تكفيرية بتفجير مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء، وذلك في ربيع عام 2006، وقد كان من الممكن ان يؤدي ذلك الحدث المروع الى اندلاع صراع داخلي على اساس طائفي، وهو ما كان يريده ويخطط له التكفيريون ومن يقف ورائهم، ولكن حكمة المرجعية الدينية وعقلانيتها، افلحت في تطويق الازمة، وقد كان لمقولة السيد السيستاني عن ابناء المكون السني (لاتقولوا اخواننا بل قولوا انفسنا) اثر ايجابي كبير لدى اوساط اجتماعية واسعة.
اما المحطة الثانية، فقد جاءت في صيف عام 2014، حينما اجتاح تنظيم داعش الارهابي مساحات كبيرة من الجغرافيا العراقية، وكاد ان يجتاح العاصمة بغداد والمدن الدينية المقدسة، كالنجف الاشرف وكربلاء المقدسة وسامراء المقدسة، لولا فتوى الجهاد الكفائي التي اعتبرت نقطة تحول تأريخية، غيّرت مسار الاحداث، وقلبت الحسابات رأسا على عقب.
في حين جاءت المحطة الثالثة، ارتباطا بالحراك الجماهيري، الذي اجتاح الشارع العراقي منذ مطلع شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، ولان المرجعية الدينية، قدرت امرين خطيرين، فأنها قررت ان تدخل وتتدخل بقوة وبشكل واضح وصريح.
والامر الاول تمثل بالاحتقان والغضب والاستياء الشعبي العام من الطبقة السياسية الحاكمة، التي لم تنجح طيلة ستة عشر عاما ببلورة واقع ايجابي مقبول ومرضي بقدر معين لمختلف الفئات والشرائح الاجتماعية العراقية، ما ادى الى حصول انفجار شعبي واسع، كان لابد من ضبط وتحديد مدياته وامتدادته حتى لايأتي على الاخضر واليابس معا.
والامر الثاني، تمثل بوجود اجندات ومشاريع تامرية تخريبية، يسعى اصحابها الى اغراق العراق في دوامة العنف والفوضى والاضطراب السياسي والمجتمعي، من باب اخر جديد، بعدما فشلوا عندما دخلوا من باب الفتنة الطائفية، ومن باب العدوان الداعشي.
ولانها وجدت ان الاوضاع بلغت مبلغا خطيرا للغاية، فأنها للمرة الاولى خلال الستة عشر عاما المنصرمة، تتابع اصدار بيانات متلاحقة على مدى عدة اسابيع، تحذر فيها، وتشخص وتنبه وتوجه، وبالتالي ترسم خارطة طريق واقعية وعملية وقابلة للتطبيق بأطارها العام والشامل، فيما لو توفرت الارادة الحقيقية والرؤية السليمة لدى اصحاب الشأن في مفاصل الدولة العليا، ومعهم القوى والكيانات السياسية الرئيسية المشكلة للسلطتين التنفيذية والتشريعية.
وفي بيانها الاخير الذي القي من على منبر صلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف بمدينة كربلاء المقدسة، كانت المرجعية الدينية العليا حازمة وواضحة وصريحة اكثرمن اي وقت مضى، فهي اشارت الى خمس نقاط جوهرية ومهمة للغاية، تمثلت بـالتالي:
-مساندة الاحتجاجات، والتأكيد على الالتزام بسلميتها وخلوها من أي شكل من أشكال العنف، وإدانة الاعتداء على المتظاهرين السلميين بالقتل أو الجرح أو الخطف أو الترهيب أو غير ذلك، وأيضاً إدانة الاعتداء على القوات الأمنية والمنشآت الحكومية والممتلكات الخاصة.
-الحكومة تستمد شرعيتها من الشعب، وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره.
-رغم مضي مدة غير قصيرة على بدء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح، والدماء الزكية التي سالت من مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين في هذا الطريق المشرِّف، إلا انه لم يتحقق الى اليوم على أرض الواقع من مطالب المحتجين ما يستحق الاهتمام به.
-لم يخرج المواطنون الى المظاهرات المطالبة بالإصلاح بهذه الصورة غير المسبوقة ولم يستمروا عليها طوال هذه المدة بكل ما تطلّب ذلك من ثمن فادح وتضحيات جسيمة، إلاّ لأنهم لم يجدوا غيرها طريقاً للخلاص من الفساد المتفاقم يوماً بعد يوم.
-معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم إنما هي معركة وطنية تخصه وحده، والعراقيون هم من يتحملون اعباءها الثقيلة، ولا يجوز السماح بأن يتدخل فيها أي طرف خارجي بأي اتجاه.
وهذه النقاط الخمس ما لم تحظ بأهتمام جدي وحقيقي من قبل اصحاب الشأن والقرار، فأن الاوضاع ستسير من سيء الى اسوأ، والعكس صحيح، فأن الاخذ بها سيفضي الى تحقيق انفراجات حقيقية للازمة الراهنة، ويقطع الطريق على الاجندات والمشاريع التخريبية الخارجية.
ولاشك ان التشخيص الصائب والدقيق من قبل المرجعية الدينية للواقع العام في البلاد، يثبت مرة اخرى انها لم تكن في يوم من الايام بعيدة عن هموم ومعاناة ومشاكل العراقيين، وكانت حريصة طوال الوقت على تصحيح المسارات السلبية الخاطئة. وما اغلاق ابوابها بوجه السياسيين منذ عدة اعوام الا دليل قاطع على عدم رضاها عن ادائهم.
واليوم فأن المرجعية حينما تشدد على اصلاح النظام السياسي من خلال تعديل قانون الانتخابات وتعديل قانون مفوضية الانتخابات ايضا، وانهاء مبدأ احتكار السلطة من قبل فئات وعناوين معينة، فأنها ترى انه لا بديل عن مثل هذه الخطوات والحلول، بحيث انه لم يعد ممكنا المراهنة والتعويل على ملل الجماهير وقبولها بالواقع على علاته، لانه في هذه المرة يبدو ان تفاعلات المشهد العام وتداعياته وارهاصاته مختلفة الى حد كبير عن المرات السابقة.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود