- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
موازنتنا في عام 2019.. وموازنتنا في عام 2020
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
يتوقّع خبراء اقتصاد مرموقون من مختلف دول العالم، وكذلك خبراء المنظمّات الاقتصادية الدوليّة، حدوث ركود اقتصادي عالمي في عام 2020.
وبقدر تعلّق الأمر بالعراق، فإنّ هذا سيعني إنخفاضاً في اسعار النفط العالمية، وانخفاضاً في العائدات النفطيّة التي تشكّل%95 من إجمالي ايرادات الموازنة العامة للدولة.
مثال للتوضيح (والأرقام والتفاصيل التي سأذكرها، بهدف تقريب الفكرة لعدد أكبر من الناس، هي "تقديرات" شخصيّة، قد لا تتطابق مع البيانات و"التصنيفات" الرسمية، وبإمكان أي مواطن أن يحصل على بيانات أكثر دقّة من خلال الإطّلاع على البنود الرئيسة للموازنة العامة الإتّحاديّة للسنة المالية 2019، أو من خلال البيانات ذات الصلة في تقارير البنك الدولي، وصندوف النقد الدولي، وهي متاحة في اكثر من موقع على الأنترنت):
- اذا كان العراق يحصل الآن على عائدات نفطيّة مقدارها 100 مليار دولار (بصادرات نفطية قدرها 4 مليون برميل يومياً، وبسعر 50 دولار للبرميل)، فإنّ النفقات الرئيسة "الحاكمة" في الموازنة العامة للدولة، والتي لا تحتاج إلى أيّ إجتهاد أو تشكيك أو تأويل، والتي سيتم توزيع الأيرادات عليها على الفور (وبحكم الضرورات) هي كما يأتي: 50 مليار دولار رواتب (بمختلف انواعها، بما في ذلك الرواتب التقاعدية ورواتب الحماية الإجتماعية) / 25 مليار دولار لقطاع النفط والغاز وتكاليف "جولات التراخيص" / 15 مليار دولار لتسديد اقساط الديون والتعويضات / 5 مليار دولار لقطاع الكهرباء /2 مليار دولار أدوية / 1 مليار دولار بطاقة تموينية / 2 مليار دولار لتسديد التزامات "حاكمة" أخرى.. / المجموع 100 مليار دولار.
والآن.. وإذا كانت كلّ إيراداتنا النفطية، لا تغطّي سوى هذه النفقات (وهي في الغالب لا تغطّيها، حيثُ تُعاني موازناتنا العامة من عجز "ثابت" لا يقلّ عن 25 مليار دولار سنويّاً، وتحتاج الى مصادر أخرى للتمويلٍ).. فماذا عن بقيّة النفقات ؟؟؟
ماذا عن نفقات الموازنة الإستثمارية "المسكينة"، وعن مستلزمات النهوض بالبنى التحتيّة البائسة، وعن تكاليف المشاريع المُتوقفّة والمُتلكّئة، وعن نفقات "التنمية"على وجه العموم، في بلدٍ يُعاني غالبية سكانه من الحرمان، والفقر مُتعدّد الأبعاد، وتُعاني كُلّ مُدُنهِ، وأقضيتهِ، ونواحيهِ، وقُراه، من الخراب المُستدام؟
بل ماذا عن الإنفاق على بقيّة بنود الموازنة التشغيلية الأخرى(السلعيّة والخدميّة)، والتي لا تقلّ عن 40 مليار دولار ؟؟؟
في جميع البلدان والدول"النفطيّة" الأخرى، التي تحترمُ نفسها، وتحترمُ مواطنيها (ومنها ايران والسعودية والإمارات) لا يشكّل النفط أكثر من 35% من ناتجها المحلّي الإجمالي، و 40% من إيرادات الموازنة العامة للدولة، إلاّ نحن (65% من الناتج المحلّي الإجمالي، و 95 % من ايرادات الموازنة العامة للدولة).
فاذا سيحدثُ لنا إذا انخفض سعر النفط إلى مادون الـ 30 دولاراً للبرميل، وانخفضت الصادرات النفطية إلى مادون 2 مليون برميل يومياً، بفعل تراجع الطلب العالمي، الناتج بدوره عن تباطؤ النمو في الإقتصادات الصناعية الكبرى في العالم؟؟؟
ماذا سنفعلُ بالضبط.. وعلى وجه التحديد ؟؟؟؟؟؟
ألم نشبع بعد من اللغو والتهريج والعبث، وهدر الموارد المُتاحة (على قلّتها) ؟
ألم نشبع من الحروب "الشخصيّة"، و "البديلة"، و"الأصيلة"، على أختلاف دوافعها ومُسمّياتها، وخرابها الدائم، الطويل ؟؟
ليأتي السيد رئيس مجلس الوزراء بوزراء المالية والتخطيط والنفط والزراعة والصناعة والتجارة والعمل. ويأتي السيد رئيس مجلس النواب بلجانهِ ذات الصلة (وأهمّها اللجنة الماليّة، و لجنة الاقتصاد والإستثمار، ولجنة النفط..). وليأتي السيد رئيس حكومة اقليم كردستان ومعه وزراءه المُناظرين لأقرانهم في الحكومة الإتّحادية.
وليأتي السيّد رئيس الجمهورية بممثّلين عن القطاع الخاص (المحلّي والأجنبي)، ويرأس الجلسة. وليستعينَ المُجتَمِعونَ (إذا شاؤا) بخبراء اقتصاد مشهودٌ لهم بالمهنيّة والكفاءة (من الداخلِ والخارج).. ويجلسُ هؤلاء جميعاً في قاعةٍ واحدة، ويعقدون لقاءهم في بثٍّ مُباشرٍ على الملأ، ويقولون لنا فيه ما لهم وما عليهم، وما لَنا و ماعلينا.. ويعرضون الأرقامَ كما هي، ويُوّضحون البيانات، ويُقدّمون الحقائقَ (مهما كانت صادمة).
ليفعلوا ذلك.. و ليفعلوهُ الان.. لا لشيء.. لا لشيء.. سوى الإجابةِ على سؤالٍ بسيط، ولكنّهُ باتَ مُلّحاً، و "مصيريّاً" الأن، وهو: ماذا فعلنا لكم، وبِكُم، في موازنة عام 2019، وماذا سنفعلُ لكم، وبِكُم، في موازنة عام 2020.. وكيف.. ولماذا.. وإلى أين ؟؟؟
ألا يستحِقُّ العراقيّون ذلك ؟؟
وإذا لم يكن العراقيّون يستحقّون ذلك.. فمن"غيرهُم" يستَحِقّ ؟؟؟؟؟.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- النشر الصحفي لقضايا الرأي العام
- جرائم الإضرار بالطرق العامة