- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الصيام والأم والأب......صناعة الرجولة
علاوي كاظم كشيش
بدأت الصيام في منتصف السبعينيات.كان تحمل الجوع أثناء العمل مع الوالد يشكل دافعا بطوليا واحساسا عاليا بالفتوة. واجمل من ذلك كله ابتسامة الحبيبة أمي وتشجيعها لي.وانا كنت اعمل وادرس لسبب مهم جدا،وهو اني وجدت كل هذا يسعد قلب أمي ويجعلها تمدحني امام أبي.وابي هو الصديق العزيز الاول الذي وافق هوى أمي واتفقا على منحي الحرية في كل شيء طالما اني احفظ مقامهما في أعمالي.
في الثمانينيات. كنت في بغداد طالبا. وتركت الصيام.واعطيت للشباب ما يريد مني.ولم اتظاهر بالصيام تحرجا من الاخرين.فقد تعلمت أن اكون حقيقيا.تلقيت تانيباا من أمي واما أبي فقد وصفني بالشاب الطائش ولكن سيعود إلى حظيرة الايمان قريبا.
في ١٩٨٤ تخرجت والتحقت الى الجبهة حتى ١٩٨٩.وكان كلام أبي صحيحا.هناك وجدت ربي اولا.ثم وجدت أمي وأبي.كنت في قوتين منهما بعد قوة الله طبعا التي لا تضاهيها قوة.وتعلمت كيف اتلذذ بما كلفني الله به وان اتصالح مع نفسي واعيدها سيرتها الطفولية الاولى.في اصعب الظروف.
خرجت من الحرب بذكريات مؤلمة. فقد اكلت الحرب كثيرين من اصدقائي.صار قلبي مقبرة وتوجب علي ان ازرع مزيدا من الزهور على قبورهم.
في التسعينيات.كانت الروح اقوى والجسد اكثر تعبا.فساعات العمل الطويلة والمهنة الشاقة.تاخذ الكثير من الجهد.ولكن القراءة لم تتوقف.وحصلت على جوائز أدبية وانا اتلسوع بنار الفرن الذي اقف امامه لمدة ١٢ ساعة على الأقل يوميا.
لم اتعلم جلد الذات ابدا مهما ساءت الظروف.الصيام علمني ان استغني عن الكثير من المغريات.ولم يجعل عقلي يستقر في معدتي ابدا.ولم يجعل الطريق الى قلبي يمر بمعدتي على الرغم من أن الجوع كان رفيقي حتى اني كنت استلذ بصحبته.وحتى ان الأم الحبيبة كانت تلح علي ان اطلب صنف الطعام الذي ارغب فيه أو اشتهيه. لأني كنت اعود من العمل فلا اوقظها واكل ما أجده أمامي واسر كثيرا بأكل الفتات تأديبا لنفسي وتوقيرا لنعمة ربي.
الان.في هذا العمر.تترحم زوجتي على امي وابي لأنهما شجعاني على الصيام.فلا اعرف كيف اقلب القدور في المطبخ وأصبح عنترة على زوجتي وأحملها تبعات صيامي.فطوري بسيط جدا.لا يجعل زوجتي تدور في المطبخ واعصابها منهارة.فهي تمر علي وتلقي السلام عندما تراني غارقا في كتاب كعادتي.وتطلب مني بعض ما نحتاجه فأخرج عن طيب خاطر.لأني افكر في اسعادها.فهي مثل أمي في معاملتها لي.
ازعم انني انتصرت على المعدة وعلى المطبخ وعلى اتعس صفة في الرجل عندما تنهار اعصابه من الجوع ويصبح ثورا هائجا في المطبخ.خجلت كثيرا عندما رأيت رجالا بكوا من الجوع في احد المعارك.
شهر رمضان يربي الرجولة عندنا لكي ننقلها الى اولادنا.
يلغي مفهوم المعدة عند الرجل ويحفز الوعي بالوجود
يبدأ شهر رمضان من ابتسامة الام وصداقة الاب الذي لا يفكر بمعدته ويتحلى بالضبط الرجولي العالي مثل أبي.
بعد كل هذه السنين في الصيام وجدت انه أمر الهي وقد فسره كثير من العقلاء والفضلاء والجهلاء كل بحسب وعيه.ولكن ظل أمرا الهيا ينفذ بلا تفسيرات.واسوأ المفسرين هم أطباء الكاربوهيدرات وسواها الذين ركزوا رمضان كله في المعدة عند الناس.ولم اسمع طبيبا قال كلوا واشربوا ولا تسرفوا.
الصيام رجولة
تبا لمعداتكم يا عناترة المطابخ.
اشجع الناس في رمضان واقربهم الى الله هي الزوجة العظيمة الصابرة.وبالاخص ربة البيت العراقية.
واشجع منها معيلة الايتام.
لكم السلام وتقبل الله صيامنا وجعله نورا في عقولنا ووعيا وبصيرة في قلوبنا.
أقرأ ايضاً
- "منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط" في دهوك /2
- "منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط" في دهوك
- الصيام جنة من النار / 4